[قراءة في كتاب حكم الأزمة للأستاذ الباحث رائد عبد الحسين السوداني]

وقد اجتمعت كل تلك العوامل لتجعل من العراق مرجلا؛ ولكن وقوده نار من القصب ما إن تتقد ويرتفع لهبها إلى عنان السماء فتمنح الناس أملا بمستقبل واعد وحياة فضلى حتى تخمد وتنطفئ قبل أن تترك أثرا يذكر؛ إلا من حيث زيادة معاناتهم وقهرهم، وهو ما زاد حلكة ليل العراقيين سوادا على مر التاريخ.
النكاية الكبيرة أن الباحث المتتبع لتاريخ العراق المعاصر في الأقل خلال القرنين المنصرمين لا يجد فرقا أو اختلافا كبيرا بين الماضي والحاضر، بل يجد تلك الثقافة المورثة نفسها فاشية بين الحكام وبين المحكومين، بين القادة المحليين أو المستعمرين وبين الشعب المظلوم المغلوب على أمره، فكان الشعب الذي يحمل على كاهله تاريخ البشرية الأروع يخرج من مصيبة كأداء ليدخل مصيبة أقسى وأمّر تماما كالمستجير من الرمضاء بالنار.
ولقد غامر الأستاذ رائد السوداني؛ وغامر بنا أيضا يوم قادنا مخيرين وبإرادتنا الحرة ودونما إكراه إلى متاهة هذا العالم المرعب المخيف المليء بطقوس السحر الأسود والمؤامرات والجرائم والمهاترات عبر كتابه القيم (حكم الأزمة، العراق بين الإحتلالين البريطاني والأمريكي) بادئ ذي بدء من خلال الحديث المسهب عن أواخر حكم الاستعمار العثماني وصولا إلى تتويج الملك المستورد من دول الجوار المرحوم فيصل الأول مع إشارات وتلميحات إلى القومية العربية ونشأتها وإسقاطاتها على ما يمر به العراق اليوم من أزمات سياسية، وقد نجح الباحث المقتدر في رسم صورة واقعية لكثير من الأحداث والأحاديث التي كانت خافية علينا فأجاد وافاد.
يمثل هذا الكتاب الذي صدر عن دار ضفاف للنشر في الشارقة بحلة قشيبة وإخراج جميل الجزء الأول من سلسلة بحوث قد تصل إلى خمسة أجزاء أو أكثر يعكف الأستاذ السوداني على كتابتها لتكون مرجعا للباحثين وخزينا فكريا للقادمين وإرثا حضاريا للعراقيين.
وأنا بعد تمتعي بقراءة الطبعة الجديدة للكتاب لا يسعني إلا أن أقول: مبروك للأستاذ السوداني كتابه القيم هذا وندعو صادقين ومخلصين أن يتمكن من إنجاز باقي الأجزاء.
ومبروك لدار ضفاف للنشر نجاحها في إخراج الكتاب بهذا الشكل الرائع.
وأمنية بقراءة ممتعة لمن يحصل على نسخة من هذا الكتاب.
0 comments:
إرسال تعليق