مائة لوحة للأديب التَّشكيلي صبري يوسف في غاليري كاظم حيدر في ستوكهولم



مائة لوحة  للأديب التَّشكيلي صبري يوسف في غاليري كاظم حيدر في ستوكهولم: الفرح الحبّ السَّلام 
مشاعري متدفِّقة كحنينِ العشَّاق إلى أعماق تجلِّيات الرُّوح  

صبري يوسف ـــ ستوكهولم
 افتتح مدير المركز الثّقافي العراقي الدَّكتور أسعد راشد معرض الفنّان التّشكيلي والأديب السُّوري صبري يوسف في تمام السَّاعة السَّادسة من مساء يوم السَّبت الفائت وسط جمهور غفير من الفنَّانين والكتَّاب والشُّعراء والمثقَّفين والمهتمِّين بالشَّأن الثّقافي والفنِّي والإبداعي، وألقى رئيس المركز كلمة مقتضبة أشار فيها إلى الإهتمامات الفنِّية والأدبيّة المتعدّدة لدى الفنّان صبري يوسف، ثمَّ قدِّم الفنّان بدوره كلمة قصيرة أشار فيها إلى أسلوبه في الرَّسم وكيفية ولادة اللَّوحة عبر موشور الألوان المتعانقة مع وهجِ الشَّعر، وقدّم الفنّان التَّشكيلي العراقي شاكر بدر عطيّة كلمة وجيزة أشار فيها إلى تقنيات الفنّان وتعبيره على ترجمة المشاعر عبر رموزه المتعدّدة، ثم ألقى الفنّان التَّشكيلي السُّوري كابي سارة كلمة قصيرة مُشيداً بعوالم التّشكيل اللَّوني عند أسلوب الفنّان الممزوج بعوالم الفرح والسَّلام والمحبّة، الَّتي تعكس روحانيّة الفنَّان الدَّاخلية عبر لوحاته! وألقت الشَّاعرة السُّويدية "انغريد هوفمان سي" بعض المقاطع الشِّعرية باللُّغة السُّويديّة، المتعانقة مع عوالم لوحات الفنّان! وفي نهاية الافتتاح تقدَّم الدَّكتور حكمت داؤود جبو الوزير المفوّض ليقدم تكثيفاً معبّراً عن  فضاءات اللَّوحة عند صبري يوسف، ثم طاف الزّوار يشاهدون مائة لوحة تشكيليّة تعبِّر عن الفرح والحبِّ والسَّلام المتدفِّق من آفاق الفنّان على وجنات اللَّوحات!
*****
حالما أدخل في فضاءات الألوان، أرسم فرحاً، حبّاً، عشقاً، سلاماً، وردةً، زهوراً برّيّة.. حنينُ الكرومِ لا يفارقُ لوني، والسَّنابلُ تغمرُ مروجاً ممتدَّة على مدى العمر! تنبعثُ من ألواني شهقات شعريّة حميمة، كإشراقاتِ الصَّباح، معبّقة بالبخورِ وضياءِ الشُّموع. لا أرسمُ حزناً ولا ألماً ولا حرباً، أترجمُ هذه المشاعر الألميّة والحزنيّة عبر الحرف! لهذا يبدو لي الحرفُ وكأنّه توأمُ اللَّونِ، توأمان متعانقان كإكسير الحياة، أكتبُ شعري بمتعةٍ غامرة بالحرفِ تارةً وباللَّونِ تارةً أخرى!
في الرَّسم، أنحازُ إلى هلالاتِ الجَّمال، لا أنحاز إلى "جمال القبح"، كما يُقال. القبح يظلُّ قبحاً، حتَّى ولو كان بديعاً من حيث الإبداع الفنّي! لأنَّ اللَّوحة عندي هي حالة جماليّة، تمتِّع بصري وتبهجُ آفاق خيالي، ولا أريد أن تقترن لوحاتي بالأحزان والهموم والحروب، ولا شكّ أنّ هناك الكثير من اللَّوحات ممكن أن تعكسَ حالات ألميّة وحزنيّة بالغة الأهمية وعميقة الأهداف والتَّطلعات من حيث رموزها واسقاطاتها الفنّية، كما هو الحال في لوحة بيكاسو الشَّهيرة: الجورنيكا، الَّتي أخذت شهرة عالميّة من خلال ترجمته لحالات الأسى والأنين والخراب والدَّمار للحرب الأسبانيّة الأهليّة الّتي دارت رحاها بكلِّ مراراتها وجنونها آنذاك، ومع كلِّ هذا أنفر من مشاهدة لوني يترجم الدِّماء والحروب والأحزان ومرارات الحياة! لربّماهو نوع من رفض الحرب والإنحياز التَّام للسلام والحبّ والفرح، لهذا تحملُ فضاءات لوحاتي رسالة سلام ومحبّة وفرح ووئام بين البشر، إنطلاقاً من رؤاي الجَّانحة نحو إحلال السَّلام والوئام والحبّ في وطني الأم سورية، مروراً بوطني الثَّاني السُّويد وإنتهاءً بالعالم أجمع. 
الفنُّ عندي حالات عشقيّة رومانسيّة وئاميّة إنسانيّة راقية، يطفو فوقَ شفير الأحزان وهديرِ الطُّغيان!                    
ونظراً لأنَّ طموحاتي الإبداعيّة وروحانيّتي جانحة نحو هذه العوالم الفرحيّة والوئاميّة، لهذا السَّبب أسَّستُ في اليوم الأوَّل من هذا العام "2013" مجلّة السّلام، تأكيداً منّي على أهميّة التَّركيز على السَّلام الخلاق في هذه المرحلة أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، نظراً لتفاقمِ الأوضاع الشَّرقيّة العربيّة والكونيّة وخلخلةِ علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان وتدهْورِ علاقات البشر مع بعضهم بعضاً وكأنّهم من فصيلة النُّمور والذِّئاب والأسود والحيوانات المفترسة في افتراس بني جلدتهم وجنسهم. ولا يكترث أغلب سياسيي هذا العالم بإنسانيّة الإنسان ولا بالحضارة والعقل والحكمة والعلم الَّذي وصل إليه الإنسان خلال حقب تاريخيّة طويلة، ونرى كيف برمشةِ عين يرمي بعض الحيتان والأنياب السِّياسيّة المفترسة بهذا المخلوق السَّامي في بوَّابات الجَّحيم، وكأنَّ عقل الإنسان وحكمته وكلّ حضارته مسخّرة بكيفية القضاء على كلِّ ما بناه الإنسان، حيث أرى أنَّ أسَّ الأسس هي الأخلاق والضَّمير والعقل والحكمة قد صارت في مهبِّ الرِّيح، ولم يعد محرّكو الحروب وقاذفات الآر بي جي والصَّواريخ عابرة المدن والدُّول والقارات يهتمُّون بالنّتائج الوخيمة الَّتي ترتَّبت عن ممارساتهم البغيضة والعقيمة، وينظرون بكلِّ أسفٍ إلى دمار الأخلاق البشريّة وخلخلة أخلاق وحكمة وحضارة قرون من الزَّمان، وكأنّهم في حفلة تنكريّة أو في عرض مسرحيات كوميديّة وفكاهيّة وليست أحداث واقعيّة، مع أنّها مسرحيات واقعيّة دمويّة وبإخراجات سياسيين عالميين محترفين بإدلاق وهدر دماء البشر وفقراء هذا العالم، وكأنَّ البشر المشتعلين ليل نهار في هذه الصِّراعات والحروب هم مجرّد وقود وحطب لتنفيذ مخطَّطاتهم ومآربهم الدَّنيئة والمنحطّة، من خلال زرعهم الانشقاقات والصِّراعات والفتن في الأديان والمذاهب والقوميات والاثنيات وتوليد كلّ أسباب العنف والعنف المضاد وتأجيج الحروب المجنونة دون أي وازع ضمير في الكثير من بقاع الكون، لتحقيق "بالإسم فقط" الدِّيمقراطيّة والحرّيّة والعدالة والمساواة والكرامة لبني البشر، وهم أبعد ما يكونوا عن تحقيق هذه التَّطلعات، لأنّهم يسعون إلى خراب هذه البلاد، وزرع الفتن والحروب كي يستغلُّوا خيرات هذه البلاد ويزجُّونها في متاهات غير محمودة العواقب!                                                                          
أيّة كرامة وأيّة عدالة تحقَّقت ونحن نرى أنهار الدِّماء تسير من خلال القتل على الهويّة وعلى الإسم والمذهب ولأتفه وأبسط الأسباب؟ ولو نظر أي أحمق وأي غبي إلى ما نراه سيقول لو كانت نتائج تحقيق الدِّيمقراطيّة والحرّية والعدالة والمساواة بهذا الشَّكل الأحمق ونحن في بداية القرن الحادي والعشرين، فلا خيرَ في هذه "العدالة والحرّية والكرامة والدِّيمقراطيّة" الَّتي ينشدونها إذا كانت مفروشة ومفصَّلة ومؤدلجة ومفخّخة على جماجم الأطفال وحرق البلاد على رؤوس العباد!            
ولهذا منذ أن أمسكتُ فرشاتي وفرشْتُ ألواني، بدأت أرسم لوحاتٍ تدعو إلى الحبِّ والفرح والسَّلام، وهي دعوة للبشر كلَّ البشر، لتأسيس ثقافة كونيّة جديدة، تدعو إلى ترسيخ مبادئ وعلاقات الفرح والحبِّ والسَّلام بين البشر، رغم أنف صنّاع الحروب ومصمِّمي قاذفات الهاون وصواريخ عابرة القارَّات وعابرة الغباء الكوني!  ولهذا أيضاً أدعو ليس إلى القضاء ونزع السِّلاح الكيميائي في سورية، بل أدعو إلى تدمير ونزع السِّلاح النّوّوي في إيران وفي إسرائيل أيضاً، وأدعو وبكلِّ شدَّة إلى نزع السِّلاح الكيميائي والذَّري في العالم أجمع، كما أدعو إلى القضاء على السِّلاح التَّقليدي بكلِّ أنواعه وإلى نزع وتدمير كلّ أنواع الأسحلة على وجه الدُّنيا وإغلاق معامل السِّلاح بكلِّ أنواعه التَّقليديّة والكيميائيّة والذَّريّة، وتأسيس أحزاب وهيئات لها تطلُّعات وتوجّهات تدعو إلى خلق حالة وئام وسلام بين البشر رغم أنف دعاة الحرب، وأدعو بدوري إلى إسقاط كلَّ الأنظمة الَّتي لا تستجيب إلى هذه التَّوجُّهات الوئاميّة، وتطرح طرحاً حربيَّاً عنفياً دموياً وإسقاطها اسقاطاً مريعاً، طالما تدعو إلى حلِّ أيّة مشكلة صغيرة أو كبيرة من خلال العنف والعنف المضاد والحروب الَّتي تدمّر الأخضر واليابس، وأدعو بني البشر في كلِّ بقاع الدُّنيا للوقوف في وجه الحروب والصِّراعات وإلى الخروج بمسيرات ملياريّة في العالم لإسقاط أيَّة جهة تدعو للحرب مهما كانت أسباب الحرب الَّتي تشنّها وجيهةً أو ضروريةً، لأنَّ الإنسان كائن عاقل وحكيم، وعليه أن يحلَّ مشاكله وصراعاته بالحكمة والعقل وليس بالبارود والرّصاص والسِّلاح والقتل والدَّمار ولا بارك في كلِّ إنسان يرفع سلاحاً على أخيه الإنسان ولا بارك في أيِّ توجُّه سياسي يدعو إلى العنف والقتل والخراب والدَّمار!                              
لقد آن الأوان أن يخرج مليارات البشر إلى الشَّوارع وفي الأماكن العامّة وعلى شاشات الفضائيّات ويعلنوا عن رفضهم واستيائهم للحروب الَّتي تتفاقم في الكثير من بقاعِ الدُّنيا، وأن يؤسِّس أخلاقيو ومناصرو السَّلام الحقيقي في العالم فضائيات ومنابر للسلام وينشروا ثقافة السَّلام العالمي الحقيقي ضدّ كل مَن يدعو للحرب في العالم، وتأسيس مرحلة جديدة هي مرحلة بناء إنسان مسالم وحكيم وعاقل، كي نبني مرحلة جديدة تليق بإنسانيّة الإنسان ونسعى إلى تأسيس حضارة جديدة هي حضارة السَّلام والحبِّ والفرح، لا أن ينجرف بعض الجُّهلاء نحو بعض المنافع الشَّخصية لهذه الدُّول أو تلك ويصنعوا حروباً على جماجم البشر دون أي وازع ضمير، لأنَّ الحروب كلّ الحروب على وجه الدُّنيا لم تكُن في يومٍ من الأيام ولا في أيَّة مرحلة من التَّاريخ البشري لصالح البشر، بل كانت ضدَّ البشر على مدى تاريخ الإنسان الطَّويل على وجه الدُّنيا، فما معنى أن نعيد صياغة حروب جديدة وكأنَّنا في منافسة دمويّة في قتل بعضنا بعضاً، وأنا أرى أنّه لا خير في أيِّ توجّه ديني، أو سياسي أو إجتماعي إلى الحرب والقتل، وأيّ توجّه نحو الحرب والقتل هو توجّه أحمق وغبي وتافه ولا يصبُّ في مصلحة الإنسان كإنسان، لهذا أي تبنِّي لتوجُّهاتٍ حمقاء هي حماقة ما بعدها حماقة من الَّذي يتبنَّى توجُّهات الحرب والقتل، وبالتَّالي لابدَّ من أن يفهم الإنسان على وجه المعمورة أنّه لا يوجد أي دين طبيعي وحضاري وتقدُّمي وإنساني وأخلاقي وإلهي يدعو إلى القتل والحرب والدَّمار، وكلّ مَن يدعو لشنِّ الحروب بإسم الدِّين، فالدين والأخلاق منه براء!  
متى سيفهم المرءُ أنَّ الحياةَ بمثابة لوحة جميلة تظهر في بسمةِ طفلٍ، في نضارةِ وردةٍ، في وهجِ عشقٍ، في زخّةِ مطرٍ، في نقاوةِ بحرٍ، في تلألؤاتِ نجيماتِ الصَّباحِ، في مصالحةِ الإنسان مع أخيهِ الإنسان، في مصالحةِ الإنسانِ مع جمال البرّ والبحرِ وأجرام السَّماءِ، في وئام البشرِ على مساحاتِ جغرافيّةِ الكونِ؟!
أجنحُ عبر كتاباتي ونصوصي ورسومي نحو قيمِ الخير والمحبّة والسَّلام بين البشر، لكنِّي أتوقّف مليَّاً عند أحزاني وهمومي وهموم الآخر وأترجمها عبر الكلمة، لأنَّني عبر الكلمة أستطيع أن أكتب عن أيِّ موضوع حتّى ولو كان حزيناً وأليماً، وهنا أنحاز بقوّة إلى جمال القبح عبر النّص، عبر الكتابة، عبر الحرف، لربّما قدراتي في ترجمة هذه المشاعر أكثر عمقاً في الحرف منه في اللَّون.
أرسمُ أعمالي بالسِّكِّين والفرشاة النَّاعمة، بأسلوب شاعري فطري طفولي حُلمي تخيُّلي، وبعدّةِ مدارس فنّية، بعيداً عن التَّقيّد بأساليب معيّنة في عالم الفنِّ، فلا أتوقّف عند مدرسة أو تيّار فنِّي معيَّن، بقدر ما أتوقَّف عند مشاعري العفويّة المتدفِّقة مثل حنين العشَّاق إلى أعماق تجلِّيات الرُّوح، أو مثلَ شلالٍ يتدفّقُ من أعالي الجِّبال، أو كشهقةِ طفلٍ لاشراقةِ الشَّمسِ في صباحٍ باكر، حيث تتداخل عدّة أساليب في اللَّوحة الواحدة، وغالباً ما تتدفّق هذه الألوان بشكل عفوي حلمي تأمُّلاتي، ثمَّ تتوالد الأفكار وتتطوّر وتتناغم الألوان خلال عمليات الرَّسم، ويتميّز الأسلوب الَّذي أشتغل عليه بالتَّدفُّقاتِ اللَّونيّة وموشور إنسيابيّة الأفكار ضمن إيقاع لوني فيه من الموسيقى والرّقص والفرح والحنين إلى عوالم الطُّفولة والشَّباب والحياة بكلِّ رحابها، وكأنّي أتعانقُ مع تدفُّقاتي الشِّعريّة. أكتب شعراً عبر اللَّون، أجنح كثيراً نحو العفويّة والتّحليقات اللَّونيّة، مستخدماً الرَّمز والتَّجريد والأزاهير وكائنات برّية وأهليّة وأشكال من وحي الخيال والواقع أيضاً، حيث تبدو لوحاتي وكأنّها قصائد شعريّة تمَّ كتابتها عبر اللَّون، ولهذا تبدو اللَّوحة وكأنَّها الجّزء المتمّم للقصيدة، وفي هذا السِّياق قلتُ في إحدى الحوارات التي أُجْرِيَتْ معي "إن الشِّعرَ والرَّسمَ وجهان لعشقٍ واحد هو الإبداع"، لأنّني أرى أنَّ الَّذي لا يعشقُ الشِّعرَ أو الرَّسمَ بعمق، لا يستطيعُ إنجازَ نصٍّ شعريٍّ عميقِ الرُّؤية أو رسمَ لوحةٍ فنّيةٍ غنيّةٍ بمساحاتها وأجوائها اللَّونيّة المنسابة بتجلِّياتِ الإبداع.                

صبري يوسف
أديب وفنّان تشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم

CONVERSATION

0 comments: