حدوثة رعب مصرية... الجزء الثامن/ فراس الور

كانت تسير ببطئ شديد على الطريق المخصص للمشاة تنظر بتمعن للقوارب من حولها، تارة الى اليمين و تارة الى اليسار باحثة عن الاسم الذي ابلغها اياه المجهول اثناء المكالمة الهاتفية بالامس و التي قلبت موازين زيارتها الى باريس رأسا على عقب، فعندما كانت برفقة صديقتها في جولة بين الاسواق بمعروضاتها الأخًاذة لشراء ثوب العرس رن هاتفها الخلوي، لم يظهر رقم على الشاشة فتجاهلت المكالمة في بادئ الأمر، ولكن بعد بضعة ثوان وصلت رسالة مكتوبة على الهاتف تقول "عندي خبر قد يهمك يا نادية بشأن زوجك مرقس، أجيبي الهاتف حينما اتصل،" تكرر الاتصال بعد خمسة دقائق، فجاوبت لتجد أحدهم يقول لها  "صحيح انك مسكينة و نواياك صافية و لكن ثقتك كزوجة ما حافظ عليها مرقس، انت في فرنسا مسرورة باحتفالات صديقتك و هو مسرور برفقتها يا غبية على متن يخته الخاص امبراطور المياه في حورية مرسى علم في مصر، انصحك بقطع زيارتك الان لتأتي الى بورتو مارينا و تتأكدي من كلامي،" حينها صرخت "من الذي يتكلم؟!" قطع الاتصال بسرعة، اصيبت بصدمة شديدة فكان صوته واثقا حين اعطاها المعلومات و حثها على قطع زيارتها للتأكد بنفسها، فما كان بها إلا الأعتذار عن العُرْس و الرجوع الى القاهرة بطيارتها الخاصة الى الميناء الجوي لمرسى علم،   
تراقصت اليخوت و اسمائها من خلف الدموع التي سالت من عينيها لبرهة من الزمن و هي تقراء متأملة في سرها ان لا تصادف الاسم على اي منها، هل يعقل لمرقس حبيبها و زوجها ان يخونها؟ مرقس الذي كان يُحَسِسُهَا بالآمان دائما و هي برفقته و الذي كان يعشقها و يُشْبِعْ عالمها حبا و عطفا...هل يعقل ان يخونها؟ و اذا كان كلام الرجل المجهول صحيح من هي هذه الامرأة التي سلبت زوجها منها؟ و هل كانت جميلة مثلها؟ هل وهبت لمرقس حبها و عطفها و وقفت الى جانبه بعلاقاتها مثلما فعلت هي؟ كيف كان سيسمح له قلبه؟ غلت الدماء في عروقها و احست بدوار عنيف في راسها، او ربما كان السبب حركة اليخوت المتراقصة وهي تطفو بسلام في الميناء السياحي؟ 
كان صوت كعب نعلها النسائي يدقدق على الارضية الصلبة محدثا صدى صوت رفيع بين اليخوت الفاخرة الراسية في ميناء حورية مرسى علم فالتفتت انظار المارة و انظار سكان اليخوت اليها، كانت أغلبية الناس التي صادفتها ترتدي الالبسة الخفيفة التي تناسب طقس الشاطئ الدافئ بعكسها هي، فكانت ترتدي قميص و تنورة حرير و نعل كعب عالي لونهم أزرق من درجة لون السماء الزرقاء و كان الحلي الذهبي الذي يزين صدرها و يديها يلمع عندما تسطع اشعة الشمس بين سحب السماء، فبين الفينة و ألأخرى كان بعض المارة ينظرون اليها باعجاب مبتسمين، و البعض الآخر يهزون رأسهم بلياقة مرسلين سلاماتهم لها بالرغم من انها المرة الاولى التي كانت تأتي اليها الى مرسى علم، 
أخيرا لمع الاسم تحت السماء مسبباً لها الصعقة التي كانت مُتَهَيِبَة منها، أحست بآلآم الف خنجر تنغرس في قلبها و في كرامتها و عيونها مسلطة على الطلاء الاحمر على جانب اليخت الانيق، فصرخت افكارها "امبراطور المياه! أه يا امبراطور الخيانة سنرى من الكلبة التي أخذتك مني!" كان طول اليخت مائة و خمسة اقدام مطلياً باللون الابيض و متعدد الطوابق، صعدة درجه الدائري الموجود في خلفه و عبرت مدخله الى باب الصالة، كان الباب مفتوحا فوقفت لبرهة من الوقت تلهث من اناقت فرشه، أخبرتها رائحة الوسكي المنتشرة في الاجواء ان من كان هنا لم يغادر المكان منذ فترة طويلة، فكان في زاويه من الزوايا بار صغير للمشروب عليه زجاجة وسكي و كوبين، و كان على حافة احدهما احمر شفاه، كانت الارضية مفروشة بسجاد بني سميك و كان طقم الصالة القريب من الباب بني فاتح، اما طاولة الطعام فكانت محاطة بستة كراسي في آخر الصالة مطلية باللون البني الغامق، المطبخ كان مزود بثلاجة متوسطة الحجم و مايكرويف وخزائن بنية من خشب البلوط الانيق، و كانت الستائر العسلية التي تغطي الشبابيك بانسجام كامل مع الفرش الفاخر، 
تمشت في اروقته باعجاب تام من اناقته الى ان وصلت الى غرفة نوم خمرية رائعة فيها سرير حجم كوين مفروش بغطاء ابيض و مجهزة بدولاب مزدوج لشخصين، كانت الغرفة تضم ايضا حمام رئيسي متوفر فيه خدمات الراحة بالكامل، وجدت على الطبقة الزجاجية تحت المرآة في الحمام عطور رجالية و زجاجة عطر نسائية اسمها "عطر الحب،" فتحت دواليب غرفة المنامة لتجد ثياب نسائية و ثياب زوجها فيهما، فكرت و هي متألمة "لن استطيع مسامحتك يا مرقس على افعالك، روائح الخيانة تملأ اروقة يختك بالكامل!!!" سالت الدموع المريرة من عينيها و بكت و هي تسير الى الصالة من جديد، جلست على مقعد و امسكت حقيبتها و تفقدت المسدس المزود بالذخيرة في داخله، "و ما الضرر من الانتقام؟ لولا حبي له لما كان رجل الاعمال الذي هو اليوم و رغم هذا يسهل له خيانتي!!! بكل سهولة ينسى؟"
عادت بذكرياتها الى عيد ميلادها الذي صدف في الاول من حزيران فكانت في هذا اليوم قد ابتدأت بعامها الواحد و الثلاثين، كانا جالسين في الصباح في حديقة قصرهما في جاردن سيتي بين شذى الياسمين و الورود العطرة يتناولا الافطار و دار حديث حلو بَقِيَا صداه عالقاً في ذهنها الى اليوم :
نظر اليها بولع في حينها و كأنه ينظر اليها لأول مرة و قال بغزل "احبك، اعشقك كثيرا، متيم انا بك، مغرم انا بحسنك الجذاب، كلما نظرت اليكِ اثرى جمالك مفردات الغزل عندي، بل هذب جمالك و حبك قلبي و كياني، تعلمت على يداك ما هو الحب و كيف ابحر بقلمي في بحور الكتاب المتيمين، لا اكتب الشعر لان حبك و جمالك اوسع من بحوره و اوزانه، فكيف تستوعبك اشعار يا فردوس اغلق ابوابه على قلبي و أذاقني كل مشتهى في عالم الحب، احبك، اقدس الارض التي تلمسيها بقدميك الجميلة، اغار من ثوبك الذي ترتديه لانه يطوق جسدك اكثر من يداي، احسد عطرك لانه يلازم عنقك اكثر من قبلاتي عليها، يا شجرة نضرة في ريعان صباها تملأها الثمار و الاوراق عندما آتى الخريف وسقطت اوراقك تلألأ جمال ثمارك امام ناظراي، اتبقي عارية بين يداي في كل ليلة؟ يا بياض ثلوج كوانين النقية يا بشرتك، شعرت بالنعيم حين لمست يداي خصرك، منسوج الحرير الناعم يا محاسنه، شفاهك تسقيني خمرة معتقة من كرمة الجنة تلهبني و تأخذني الى نشوات لا تنتهي بعالم غرامك،  جمالك ينهض فوران بركان في جسدي لاغازلك و غنجك يروي قلمي بماء الورد حين اصفك، قبلاتك ألسنة لهب على جسدي و توقظ ثورة الخيل في رجولتي لأضمك، لاتذوق الشهد و أقبل شفاهك، لأرتوي من ثدياك شراب العشق الوردي، يا غزل آدم و حواء اين انت من الدقائق التي اخذتنا الى نشوات الحب السرمدية حين حركتني محاسنها و رويت عطشها كامرأة فروتني الحنان وانا بين يديها، زوج و زوجة نلهث في دفئ حبنا الذي أخذنا الى جنان الغزل العذبة، أعشقك كثيرا، متيما انا بكي و بعريك، لا تتركيني يا مائي الذي يروي الحياة في ذاتي، يا غرامي العذب، احبك أقسم بالفردوس الامع بعينيك انني احبك،"
احمرة وجنتيها من كلامه فضحك و سألها "ماذا بك؟ اهذه اول مرة تسمعين الغزل مني، اتعلمين انك حلوة و مثيرة جدا يا نادية، النظر اليك يؤلم جدا و ينهض حواسي الرجولية الى درجة الجنون،"
ضحكت قائلة "اعدك اننا سنمضي الليل كله غزل في غزل،" 
اجاب و في عيونه بحور من الحنان و الحب "احبك،،،احبك يا نادية،،،انت ايقونة من الجمال مرسعة بالف ماسة ثمينة و هكذا تلمعين امام ناظراي،"
فنظرت اليه و قلبها نابض بحبه و غزله "الا تعلم ان نبض قلبك يُسَيِرْ دمائي و يبث الحياة في جسدي،"
اخرج من جيبه هدية صغيرة مغلفة بورق هدايا، فاخذتها بإمتنان قائلة "يا حبيبي شكرا كثيرا،" فتحت العلبة و لهث لسانها من ضدة اعجابها، كان اسم العطر "عطر الحب" فقالت "اسمه جذاب جدا!"
"انه منعش و هذه اول علبة من خط الانتاج أخذتها لك؟"
فجأة استفاقت من ذكرياتها، اقتربت من المركب اصوات ضحكات رجل و امراءة، امتلأت الاجواء بصوت طقطقة النعول و هما يصعدان درج المركب و ارتفعت اصوات ضحكاتهم و كلماتهم من خلف مدخل صالة اليخت فكانا في قمة سعادتهم، ثم تلاها حديث حميم،
"اتعلمين يا حبيبتي بحياتي ما استمتعت بغذاء كالذي تناولناه اليوم،"
"وانا ايضا يا حبيبي، لا استمتع برفقة احد الا رفقتك،" تَبِعَ الكلام صوت قبلة خاطقة ثم "اريد ان اشبع منك و من حبك، اريد لهذا الاسبوع الذي سنقضيه معا ان يتكرر،"
"وانا معك انسى الوقت كله و تصبحين انت الاهم يا حلوة، اذا ليس عندك مانع اريدك على الفراش فورا،" ضحكت المراءة و تحرك مقبض الباب و هي تقول"ليس على معدة مليئة يا مرقس،،،"
كانت يدا مرقس موضوعتان على جوانب خصرها و الابتسامات تشع من وجهيهما حين فتح الباب، فاجابت نادية بعيون تملأها الدموع و تعابير غاضبة "زوجي لا يتأثر بمعدة فارغة ام مليئة حين يريد ممارسة الغرام يا حلوة،"
ساد صمت مسموم اجواء اليخت فوقف مرقس و رغدة من الصدمة كتماثيل الشمع من دون كلام، تمشت نادية لبضع ثواني في صالة اليخت تنتظر ردة فعل منهم و لكن ليسود الصمت بسلطان قوي، ارتسمت علامات الفجع على وجه مرقس و كأنه ينظر الى الموت امام عينيه، فاكملت نادية بنبرة مستهزئة "او ربما بما انني هنا يمكن لي اعطائك بعض الدروس عن كيفية امتاعه فانا زوجته و عندي الخبرة الكافية؟"
نظرت اليهما باستحقار شديد ثم اكملت متسائلة "لماذا انتما وقفين عند الباب؟ هل يُعْزَمْ احد في يخته؟ تفضلا فزجاجة الوسكي التي على البار ما زالت ممتلئه؟" اقتربة من رغدة التي كان التوتر مخيم على وجهها و نظرة بتمعن الى التجاعيد على اطراف عينيها و فمها ثم قالت "ام تفضلين الشرب بعد الفراش يا كلبة السكك الضالة،"
كسر مرقس صمته حين اقتربت من رغدة و وقف بينهما ثم قال مترجيا "نادية اهدائي، استطيع شرح كل شيئ،"
"ما اسمك؟ الن تعرفني على العمة التي برفقتك يا خائن يا خسيس،" لم يستطع مرقس النظر الى نادية فدخل الى اليخت قائلا بتوتر "نادية ارجوكي دعينا نتكلم!!! هنالك تفسير لكل شيئ!!! اقصد!!!"
استجمعت رغدة بعض من الشجاعة و قالت "يفضل ان اذهب،" استدارت لتخرج من الباب لتجد نادية تشدها الى الوراء قائلة "ولما العجلة يا عمة؟ا عندك موعد مع زبون آخر؟" رفعت نادية يدها و صفعت رغدة على وجهها صفعة دوت صوتها في زوايا المركب، اهتز رأس رغدة و صرخة متألمة، فاقترب مرقس بتوتر صارخا "نادية أرجوك لا داعي لهذا! دعيها تذهب و يمكننا ان نتكلم!"
"و هل ستدافع عنها يا خائن" رفعت نادية يدها و صفعته بقوة فنظر اليها بصدمة شديدة، قالت بمرارة "اعطيتك حبا و عطفا ما كنت تحلم ان تأخذهما من أية امراءة في العالم و دعمت مشاريعك و طموحاتك السياسية!!! اعطيتك بسخاء و لم اطلب مقابل ابدا سوى الاخلاص لنا و لعلاقتنى و بعد كل هذا تخونني!!!" سحبت نادية المسدس من حقيبتها و صرخت آمرة "لا انصح احد بالعبث معي و انا في هذه الحالة، هيا سر وراء نادية و توجها امامي بهدوء الى السلم المؤدي الى غرفة القيادة،"
بكت رغدة من الذعر و ترجت نادية و هي تخرج من الباب "لا تقتليني ارجوك!!! سأفعل ما تريدين ولكن اتركيني بسلام!!!" سار ورائها مرقس مترجيا "يا ناديا لا ضرورة لما تفعليه!!! لا تتسرعي و ترتكبي حماقة قد تندمي عليها!!!"، فصرخت بهم نادية "اذا لم تسكتوا عن النباح قد أفعلها فعلا!!! وأي ندم أقوى من الندم الذي أحس به حاليا!!! هيا اصمتوا وامشوا!!!"
صعدا امام نادية على السلالم الى الطابق العلوي، فسارا في رحاب الطابق الفخم المكشوف الذي كان يضم ستة كراسي للاستلقاء تحت الشمس و طاولة طعام انيقة محاطة بستة كراسي خشبية، ثم تلتها غرفة القيادة، فتح مرقس الباب و دخلا اليها، كانت الغرفة مرتبة و واسعة مزودة بثلاث مقاعد امام لوحة القيادة الكترونية، أمرت نادية بنبرة جافة "حرك المركب!"
شغل مرقس المحركات و ماكنات سحب المرسآة ثم انطلق المركب الى عرض البحر، كرر مرقس بنبرة صوت مرتبكة محاولة التهدئة "نادية انت بغير وعيك!!! هيا اعطيني المسدس!!!" و لكنها صوبة المسدس في وجهه مهددة "صدقني الكلاب الضالة لها احترام اكثر منك عندي!!!"
بكت رغدة و انهارت امام نادية و قبلت قدميها ثم ركعت و هي تنظر اليها متوسلة "ألطفي بي؟! ارجوك سامحيني وان عفوت عني لن ترينني ثانية!!! زوجك يتصل بي لالهو فقط معه!!! صدقيني!!!"
"وثيابك التي بجاور ثياب زوجي في الخزانة!!!"
"نادية تأتي فقط لاسبوع او اثنين ثم ترحل،،،"
"مرقس اصمت فكلما اسمع تبريراتك اكرهك اكثر!!! وانت يا كلبة اليالي ستنالين جزائك عن قريب!!!هيا انهضي!!!"
مرت دقيقتان من الزمن لتنظر نادية بعدهما الي الخلف، كان اليبس و ميناء اليخوت قد تلاشا تماما حتى من ثنايا الافق البعيد، و لم تكن اية يخوت على مقربة منهم في عرض البحر، أمرت "اطفأ المحرك و ارمي المرسآة!!!" فعل كما أمرت و نظر اليها قائلا بتروي "نادية ماذا الذي تريدين الوصول اليه؟"
قالت آمرة "الحقا بي الى الخارج!"
خرجوا من غرفة القيادة و لحقاها الى الخارج لتتوقف نادية تحت اشعة الشمس بين كراسي الحمام الشمسي، فكرر مناداته لها "يا نادية جاوبيني!!!"
"اخلاعا ثيابكما!!!"
صرخ بولس بهلع "ماذا تقولي؟!!! هذا كثير!!!"
صرخت رغدة معترضة "ارجوك سأعطيكي ما تريدين فقط عودي بنا الى اليابسة!!! خذي زوجك فهو لا يلزمني!!!"
صوبة نادية المسدس على راس مرقس و قالت مهددة و سهام الغضب تشع من عينيها "هنالك ثمانية طلقات في هذا المسدس و اعدك برأس ابي الطاهر ان واحدة منها ستستقر برأسك و الاخرى برأسها ان لم تنفذان طلبي!!! ما الغريب  بخلع ثيابكما امام بعض ليس بالامر العسير عليكم فانتم استغنيتم عن عنصر الحياء منذ زمن!!! اريدكما بملابس الداخلية فقط!!!"
اسرعا بخلع ملابسهما و هما يبكيان حتى وقفا بملابسهم الداخلية ينظران بترقب و خوف الى نادية، نظرت اليهما بابتسامة المنتصر و قالت "هيا في عرض البحر!!!"
نظرا اليها غير مصدقان لبرهة من الزمن فصوبت المسدس نحوهما و ابتدأت بالعد "واحد، اثنين،"
"هنالك اسماك قرش هنا يا نادية!!!" 
صرخت ناديه "قرش!!! الرحمة يا امي!!!"ركعت ثانية عند قدمي نادية و قبلتهما بحرارة مترجية "ارحميني!!! سأكون ممتنتا لك اذا سامحتيني!!! ارجوك!!! سأخدمك طوال العمر!!!" و لكن صوبت المسدس بسرعة على مرقس و اطلقت طلقة أحس مرقس  بهواها و هي تمر من على يسار رأسه فصرخ مثل الطفل المذعور "القرش ارحم!!!تحت أمرك!!!" قفز عن اليخت لتلحقه رغدة مسرعة،
دوت اصوات قفزاتهم في الماء و تلاطمت الامواج على جنب القارب، تمشت نادية مثل غزال الغابات بفرح و غبطة و هي تنظر اليهما و هما يطفوان على وجه التيارات القوية، قالت و اهازيج النصر تصدح في صوتها "اسماك قرش؟ سلموا لي على الحيتان؟"
استدارات و توجهت الى غرفة المحرك لترعد اصوات الاستغاثة في الاجواء ورائها، "النجدة!!!لا تتركينا!!! ارجعي سنموت!!!" و لكن ما رق قلبها لهم، لم تستطع ان تنسى لحظات الألم التي جرحت قلبها لدى رؤيت ثياب امراءة غريبة معلقة بجانب ثياب زوجها، و لدى رؤيت امراءة غريبة بين يديه و القبلة التي قبلته اياها خلف الباب، أضاءت المحركات و انطلق اليخت في طريق عودته الى اليبس تاركا ورائه مرقس و رغدة و ندآت الاستغاثة الحارة منهم، "اللئيم لا يداويه الا المعاملة اللئيمة،"

-/-/- - -:- -  القاهرة - الزمالك
نظر عبدالحليم بابتسامة شفافة من داخل مدخل العمارة الى موجة الامطار العارمة التي تجددت منذ برهة من الزمن على الشوارع و السيارات من حوله، كانت القطرات المنهمرة من عند المراحم السماوية غزيرة فهم مسرعا الى سيارته الواقفة على مقروبة من مدخل العمارة السكنية التي يقطن بها، رجف جسده من برودة المطر الذي انهمر على رأسه و رقبته، فتح باب السيارة بسرعة و ركب بها فانتشرت اصوات طقطقات المطر على هيكلها و زجاجها في الداخل، كان يجب ان يعود الى شقته و يأخذ مظلة و لكن الارق الذي احس به منعه من الصعود الى مسكنه من جديد، بل كان شديد البئس عليه لدرجة انه منعه من النوم و الراحة حتى بعد يومه الحافل في العمل، 
فقال في نفسه وهو يدير المقود "التنزه لبعض الوقت لربما يكون الدواء للداء"، سارت السيارة في الشارع الذي تبين انه بسكون بغير عادة، فخلت الارصفة من المارة تماما و حتى حركة السيارات، "ما القصة يا ترى؟" فمحل الازهار "نهارك ورد و فل" الذي كان على مقربة من بيته كان مغلقا و السوبرماركت الذي بجانبه كان موصد الابواب، كان هذا السوبرماركت يفتح ابوابه كل يوم من الساعة السابعة صباحا و لغاية الساعة الواحدة ليلا فكان له زبونه الوفي، و لكن صاحبه محب للمال كثيرا فكان يماطل باغلاق ابوابه باكرا فقط لكي لا يخسر البيع و المربح، "لربما كان يعاني من وعكة صحية قوية او توفاه الله فلا يمنع الحج عبدالتواب عن المكاسب الا الشديد القوي،" 
كاد ان يضحك و لكن حتى الضحك كان يهرب من مزاجه السيئ و الارهاق فسرعان ما رجعت ذكرياته الى سليم الذي قتل في الباطنية بين يديه، ياه لمنظر الدماء المقرفة و هي تنتع من راسه حينما اصابتها الطلقة، و جسده الذي سقط على الارض من دون حياة في ثواني، هذه كانت جريمة على حدا فُتِحَ بها التحقيق في قسم النيابة، فقد صدر القرار أخيرا من وزيرة الداخلية بتولي ارفع شخصيات على الاطلاق في النيابة و امن الدولة التحقيق في قضية سرقت سيارة بولس باشا و قضية شحنات المخدرات التي كانت ترزح تحتها بعض احياء القاهرة، فذهابه الى الباطنية لملاحقة سليم البحيري كان بتوجيهات رتب عليا لا تُنَاقَشْ او تُرْفَضَ اوامرها، و لكن كان هنالك خيط يجب ان يتحقق منه قبل ان يخبر المسؤلين باي شئ، فربما كان مفتاح جديد لأدلة جديدة تساعد جهاز الامن بمعرفة كل المتورطين باستراد المخدرات، فكانت كلمة هايروغليفكس ما تزال مطبوعة بذهنه بقوة،
سأل ذاته "اين اجدك يا هايرو؟" و عربيته تقلع على جسر 6 اكتوبر متجهة الى منطقة منيل الروضة، هل انت مقهى ام محل بيع تحف ام محل ملابس؟ او ربما تكون معهد لتعليم لغة اجنبية؟ مهما تكون فانت محل صغير في مدينة من اكبر مدن الدول العربية و فعليا كنقطة في البحر كما يقال،" يجب ان اجد لك سبيلا و اتحقق من امرك يا هايرو،
القاهرة بتعداد سكانها الضخم تعدت منذ بضع سنين السبعة مليون نسمة و ضواحيها الستة و الثلاين مليون نسمة، قاهرة قرن العشرين و الواحد و العشرين بركان بشر و عطاء، مدينة مزدهرة بها البنيان و الفنون و العلوم و الصناعة الجبارة، انها دنيا داخل الدنيا و شوارعها تعج بالمشاة ليلا نهارا من دون توقف، فالليل ليس مناسبة للنوم و إلتزام البيوت، بل اذا سماء الليل لها خِلاًنُهَا من النجوم و القمر المنير فكيف لا تكون للاحياء التي ضجت بالبشر لستة آلاف سنة خلانها في لياليها، فنهر الإنسيٍن يملأ الارصفة  و ضفاف النيل المُسَيًجَة و الشوارع لا تهدأ من حركة السيارات بتاتا، و الأروقة في الاحياء تضج بالضحكات و اصوات البشر المؤنسة، و لكن سارت سيارة عبدالحليم بمفردها فقطع الجسر متجها الى ميدان التحرير و خلان المساء المعهودين متوارين عن الانظار، فصرخة افكاره فجأة "اين ذهبتم يا مصريين!!!" 
فتح راديو سيارته...و لكن توقف امام المتحف المصري العام بشارع وسيم حسن فجأة و الصدمة تتملكه، أعلن الصوت الحاد بنبرة جدية عن سلسلة الحوادث التي اصابت القصر العيني و إرادة الجيش بإغلاق المنطقة المحيطة عسكريا بمستشفى القصر، اكمل المذيع حديثه ثم اعاد الأنباء مرة ثانية و انهى النشرة، تلت النشرة ساعات حظر التجول التي كانت تشمل عدد واسع من المناطق المحيطة بالقصر العيني، اغلق عبدالحليم المذياع بخوف تام، هل كان هذا كابوس؟ قطعاً هذا كان كابوس فقد اعلن المذيع ان حوادث خارقة للطبيعة شيطانية و مؤسفة دمرت المتحف المصري العام و مستشفى قصر العيني و هذه الحوادث قد يكون لها تبعات مؤذية للبشر فلذلك و ليتسنى للجيش السيطرة على الوضع بالسرعة الممكنة اعلنت قيادة اركان الجيش عن حظر تجول بعدد من المناطق ابتداءا من هذا المساء الى الغد في السابعة صباحا،
هل هذا له علاقة بحادثة سيارة ابنة بولس باشا؟ فابتدأت الامور تتوضح امام ناظريه، و تذكر الشرطي الذي امسكوا به و هو يهذي عن الجنية، و فجأة برق اسم هايروغليفكس امامه على البناية المقابلة للمتحف، لم يصدق عيناه و كأنً إرادة الله اوقفته امام ما يمكن ان يكون الهدف المنشود، سينما "هايروغليفكس"، و لِمَا لا فكل شيئ ممكن خصوصا مع آخر تطورات هذه الساعة الملعونة، السواد المعتم اثناء العرض و ما يمكن ان يتخلله من تبادل لأكياس البودرة البيضاء، نزل من سيارته و اتجه الى صندوق السيارة الخلفي فلم يأتي الى هذا الحد ليبارح مكانه من دون دورة تفتيش، ففتح الغطاء و اخذ السترة الواقية من الرصاص و احزمة الرصاص منها، لف الاحزمة على خسره و اخذ بندقية الشوت غًن و عبأها بالرصاص، و تفقد المسدس الاوتوماتيكي الذي كان على جنبه، نظر الى الحي من حوله فلم يسمع من حوله سوى صفير الهواء النشط في الحي الذي كان يعلو مع قطرات المطر من وقت لآخر و محركات بعض الدوريات العسكرية القريبة، و حتى ان استوقفوه فكان شرطي في مهمة رسمية، سيدعوه و شأنه، و لكن الهدوء سبب له قشعريرة و ارتباك، فأحس انه ليس بالقاهرة بل بمدينة اشباح مخيفة، 
اتجه ببطئ و هو ينظر الى دار العرض الساكنة بشارع ميرت باشا، كان البناء التجاري الضخم يتالف من خمسة عشر طابق و السينما تحتل اول ثلاثة طوابق منها، و كان المبنى يضم صالة بولنغ و بلياردو ايضا، كان يريد الدخول ليبحث عن ما يقطع الشك باليقين من ان هذا المكان يستخدم لتجارة الممنوع، و لكن في قرارة نفسه كان يريد ان يدخل ايضا ليبحث عن اي رابط بين الجنرال الذي سمع عنه من اصدقائه في مكاتب التحقيق و الحوادث الغريبة التي كانت تحدث في آخر فترة الشؤم هذه، فجميعهم ظَهَرَ شرهم فجأة في فترات وقتيه قريبة، ربما يكون هنالك رابط بينهم؟ لكن كان يعلم ايضا ان الرابط بينهم هو الشر، فتجارة الممنوع الحقيرة تدمر البشر و كذا الجنرال و بالرغم من ان الجنية امرها مريب الا انها تسببت بصدمة عنيفة للشرطي الشاب، ستر الله هذه البلاد التي استقرت فجأة تحت احتلال معتم لا يرحم، 
استقبله باب رئيسي مزدوج كبير مغلق و كان الظلام يخيم على البهو في الداخل، فجأة اجتاحه شعور مخيف و هو ينظر الى الداخل،  بل كان اشبه بحدس قوي ان كارثة كبيرة ستحدث، و لكن لم يدفعه هذا الحدس بالابتعاد عن المكان بل دفعه الى الاقدام على الدخول، امسك البوابة الكبيرة و هزها بضع مرات ليفتح احد الابواب الى الداخل، كان الصمت يخيم على المكان و البرودة تملئ الاجواء، دخل و اخرج القنديل الصغير من جيبه و اشعله، 
كان البهو كبير دائري الشكل بمسطح يقدر بحوالي مئتي متر مربع، و كان فارغ تماما من المحتويات ما عدا مكتب صغير على يمين المدخل، و كان عليه من فوق مسدس رصاص 9 ملم و علبة رصاص مناسبة له، حيازة المسدسات من قبل حراس العمارات غير قانوني فما قصة هذا السلاح و في دار سينما؟ خيم عليه الشعور الخانق مرة ثانية و اصبح متأكد بأنه قد يصادف ما لا يحمد عقباه، آخذ السلاح الاوتوماتيكي و تفقد مخزنه ليجده مليئ بالذخيرة، وضعه بجيب سترته مع علبة الذخيرة متسائلا عن مصير صاحبه و تفقد بقية ارجاء البهو بحذر و حواسه يقظة تماما، كان فارغا تماما من الاثاث و المحتويات و مع حركته داخل البهو وصل الى منفذان متعاكسان، و وجد لافتة اعلانية معلقة على الحائط بها سهمان واحد يشر الى اليمين و تحته كلمة الى مكاتب الادارة و الآخر يشير الى اليسار مكتوب تحته الى صالة السينما، 
فجأة سمع صوت خطى اقدام على مسافة منه، أطفئ القنديل الذي كان بيده و التصق بالحائط  الذي كان بجانبه، كانت خطى اقدام واثقة تمشي ببطئ و بانتظام، كانت قادمة من جهة ممر الادارة على اليمين فاستمرت بالسير لدقيقة من الزمن، و فجأة سمع صوت هاتف خلوي، فأجاب صوت شاب تحت أمرك عبدالرؤوف باشا...لا تقلق فالبضاعة بخير...سافر و انت مرتاح فسأشرف على توزيع كل شيئ ثم الحق بك الى الاردن...مرقس؟...لا هذا الانسان بخبر كان...(صوت ضحكات)...اما كنت في قمة متعتي و انا ارى علاقته بزوجته تنهار و الآتي اعظم يا جنرال...
لهث عبدالحليم على سيرت الجنرال بطريقة لفتت انتباه الرجل فقال...لحظة واحدة لينتشر صوت حفيف قماش بالاجواء ثم ضوء قنديل، ركع عبدالحليم على الارض و تحرك من مكانه بعكس اتجاه ضوء القنديل، أخذ الرجل بضع خطوات في ارجاء مختلفة من الممر ثم عاد الى المكالمة الهاتفية و تابع حديثه، الابله رمزي قلت له ان يدفع فواتير الانارة و لكنه لم يفعل فقطعوا الكهرباء عن السينما و لم نعمل طوال اليوم...هل أتي اليك الآن...الساعة؟ لا اعلم ماذا بساعتي فهي معطلة، نظر عبدالحليم الى ساعته فكانت متوقفة عند الثالثة ظهرا، انتشر صوت طقطقت نعل الرجل في الممر و هو يقول مسافة الطريق سأكون عندكم ثم اختفى وهو يغلق باب وراءه، 
اضاء عبدالحليم هاتفه الخلوي و نظر الى خانة التواريخ و الوقت فكانا فارغين، فلهث متعجبا من الحادث "ماذا يحدث في مصر!!!" فكانت اشارت الخلوي قوية، ضرب على خطيبته فاجابت هاتفها و لكنه اغلق الخط فما كان يستطيع التكلم و هذا الرجل موجود، وضع الهاتف على النظام الصامت و ارسل لها رسالة طمئنها بها عنه، و فجأة فتح الرجل و خرج من الغرفة الذي كان بها و اتجه نحو البهو، فَسُرً عبد الحليم لأنه كان يريد ان يأخذ راحته و هو يفتش المكان، و لكن توقف عند المدخل فأنارة اضاءة الشارع وجهه قليلا فكان طويل اسمر البشرة ذو شعر اسود و ملامح حادة، بحث قليلا فوق المكتب الذي كان عند المدخل ليقف قليلا و يضحك بصوت عالي، "ثم قال ألن تعرفني بنفسك؟"
ارتبك عبدالحليم قليلا ثم قرر ان لا بد من المواجهة فقد انكشف امره، و قبل ان يفتح فاه صرخ الرجل صرخة مدوية تقشعر لها الابدان، انتشر صوت تكسر عظام في البهو، امسك الرجل يده التي كانت فوق المكتب و هو يتلوى من الألم و صرخ "يدي تكسرت!!!"
تقدم من خلف المكتب من الزاوية المعتمة للبهو من طحن يد الرجل، كان وقع اقدامه قويا و ثقيلا و كان يترك في البهو صدى صوت مسموع، تجمدت الدماء في عروق عبدالحليم حين اضاءت انارة الشارع الوحش و هو يزمجر في وجه الرجل، سار على قدمين كالبشر و لكنه كان اطول و اضخم منهم و جسده يملئه الفرو، امسك الرجل الذي كان يصرخ من الرعب و الألم و لكمه لكمة قوية قذفته جهة المدخل الزجاجي العريض ليتكسر الزجاج، صرخ الرجل لبعض الوقت و دمائه تنزف ثم تابع الكائن المسير جهة عبدالحليم، سلط الضوء عبدالحليم على الوجه الكريه للوحش فصرخ من بشاعه وجهه فكان ممزق، كان نصف وجهه آدمي و النصف الآخر مشوه و لحم وجهه ظاهر، صوب الشوت غن عليه و اطلق عيارا و هو يصرخ من الخوف فاهتز جسد الوحش حين اصابه العيار و انفتحت في صدره فجوة، صقط على الارض لبضع ثواني و انتشرت من حوله بركة دماء زرقاء،
اسرع عبدالحليم الى الرجل الذي قذفه الكائن خارج الابواب، كان ممددا على وجه و الدماء تنزف من وجهه و جسده، كان يلتقط انفاسه الآخيرة حينما قال له "تماسك سأتصل بالاسعاف!"
اجاب الرجل بصوت ضعيف "سأموت، لن يصلو بالوقت المناسب"
امسك عبدالحليم الخلوي ليرفع الرجل يده و يمنعه قائلا و هو يهذي من الصدمة"حتى لو دخلت مستشفى لن يتركوني بسلام،"
سأله عبدالحليم "لماذا سيسافر الجنرال الى الاردن؟"
"الكن، الفرعوني، سيقابل، هالة عبدالمنعم"
دوت صفارات الشرطة العسكرية في الاجواء فركض بارتباك الى جهة السينما منيرا طريقه بالقنديل الذي كان معه،  صعد درج دائري و دخل صالة شبيهة بالبهو الارضي، أضاء القنديل من حوله لياخذ لمحة خاطفة عن المكان، كانت هنالك كراسي انتظار مُدَمًرَة حيث حديدها ملتوي، و كانت مكومة في ارجاء مختلفة من البهو فوق بعضها، فنظر ببطئ و استغراب من هذه الاكوام المبعثرة في البهو، و بالرغم من الذعر الذي كان يسيظر عليه الا انه كان يجب ان يستمر بالبحث عن مخرج آخر من هذه العمارة فللسينما مؤكد مخرج للطوارئ او درج هروب يمكن ان يتوارى من خلاله عن انظار الجيش، 
كان الطابق الثاني يتألف من قسمين، الاول عبارة عن بهو يحتل ثلث مساحة الطابق الكبير و الثاني صالة سينما كبيرة باتساع خمسمائة كرسي، و كان داخل البهو مدخلان يؤديان للسينما فاستوقفه لدقيقة لوحة اعلانات على يمين احداها إعلان فلم "Resident Evil” ، الفلم الشهير الذي تجتاح به مدينة كاملة كائنات متوحشة منبثقة من تجارب على عينات بشرية تجريها شركة ادوية و تفترس هذه الكائنات البشر في المدينة، يا لسخرية القدر من عالم البشر فليأتوا مخرجوا هذا الفلم و ينظروا ماذا حل بمصر و اهلها الطيبين، مصر التي كان اهلها يغالوا بسلام مدنهم تحولت هي و أهلها الى فريسة لكائنات مجهولة الهوية لم يُعْرَفْ مصدرها بعد، كائنات بشعة لا يعلم احد كيف تمشي و تتحرك و هي ميتة، ما الذي يحدث هنا بالضبط؟
كان الظلام الدامس يخيم على صالة السينما ما عدا اصوات طقطقت كراسي متقطع و كأن شيئ كبير و ثقيلا يزحف بينها و يقلعها من مكانها، ارتاع عبدالحليم من هذه الاصوات و خصوصا وانها تأتي من الظلمة الداكنة، اطفئ قنديله على باب السينما و اصغى لاصوات خلع الكراسي من مكانها، فتذكر وجه الكائن الذي قتله قبل قليل و وجهه الممزق الذر رآه، يا ترى من كان يصارع بالضبط؟ ضخ الرصاص داخل الشوت غن و قال في ذاته بمحاولة لشحن عزيمته "هنا وقت الرجال الحقيقين حينما لا يهربون من المعارك الحقيقية، شرطة القاهرة تربي رجال و ليس حريم،"
أشعل القنديل من جديد و دخل الصالة الرئيسية بحذر شديد و اتجه الى حيث الجهة التي كانت تأتي الاصوات منها، كانت بعيدة في الجهة اليمنة من الصالة لذا لم يستطع ضوء القنديل المتواضع بلوغها، اقترب من مصدرها بحذر شديد مسلطا الضوء على الكراسي من حوله و على الطريق أمامه، صف بعد صف كان الصوت يقترب منه اكثر الى ان قطع نصف مسافة السينما، توقف و اضاء المنطقة من حوله فلم يرى شيئا، استغرب لبرهة من الزمن و لكن فجأة توقف و الافكار تعصف بذهنه، كان يجب ان ينتبه أكثر الى طبيعة الاصوات، سلط الضوء على المنطقة امامه و الرعب يعصف بجسده، وجدهم واقفين امام بعض و السيوف بيدهم فقد كان الصوت الذي سمعها بالحقيقة صوت التحام سيوفهم،  
كانت اشباه بشرية تتقاتل امامه في منظر ما كان يحلم ان يراه و لا حتى باشرس قصص الرعب، فقد كان طولها نحو مترين و الفرو الكثيف يملئ جسدها و كانت ذات قوام بشري، اما رأسها فكان اشبه براس الثيران و لها على الجوانب قرون ثيران، و كان الشرار يتطاير من المعدن كلما التحمت سيوفها مع بعض فكانت تتعارك بكره و شراسة كبيرة، و لكن لماذا كانت تتقاتل بهذه الطريقة؟؟؟!!!
و فجأة انتشر دخان كثيف من حولها و توقفت عن العراك، سجدت على الارض و انقشع الدخان بعد برهة من الزمان ليبرز من ثناياه كائن شبيه بهم، تقدم ببطئ نحوهم و لكن بخطى زلزلت الارض من وزنها و قال موبخا "الا تشبعوا من العراك؟"
قال احدهم "نحن نريد ان نعرف هل ستوزع الملك علينا بالتساوي؟"
"اصبرا و سيأخذ كل واحد منكم قارة ليحكمها،"
فقال الآخر "أنا اريد اوروبا واعطي اخي البلدان العربية"
صرخ بوجههم "كفا فأمكم تضايقت من تصرفكم و انا اكثر منها، سيحين الوقت سريعا لكي أثأر لأخي نارطور و لكن بعدما انجز على حياة روح الملكة سيخمت،"
وضع يديه على خواصره و قال بمرارة "حراب جندها ألمتني و لكن قوتي كبيرة في هذه الارض، الكره الذي يملئ قلب البشر و قلة ايمانهم بديانتهم السماوية يقويني كثيرا، و لكن هل تصدقا؟ قد عادت الكلبة سيخمت الى هذا العالم لتتحدى مشاريعي من جديد وانتم تتعاركا بكل اهمال و لا تحسان بالمسؤلية؟؟؟!!!" 
نظرا ابنيه بخوف اليه ثم على الارض ريثما اكمل حديثه "و لكنها لن تقوى علينا، فقد حان عهدنا على الارض، بعد بضع ايام سأُنهض جيش أخي من جديد فقد أوحينا الى معاوننا البشري ليسافر و يفك السحر عن جيش أخي فحينها سيتحدوا مع جيشنا و سنصبح قوة لا ترحم،" اشتم الاجواء من حوله ثم قال "اشم رائحة بني آدم من حولي، الم تتنبها الى الامر؟!"
قدمي عبدالحليم كانتا كالجليد من الخوف و الرعب، فمنظر معاون الشيطان و اولاده صعقته كثيرا، ابتدأ يتراكم الخوف في داخله لدرجات لا ترحم و ابتدأ فكيه يرتجفان من التوتر و الرعب، و بحركة لا ارادية وقف و سلط الشوت غن على الكائن و حاول اطلاق النار و لكن وجد أن السلاح لا يعمل، فرأه احد اولاد الكائن و رمى السيف باتجاهه و لكنه ابتعد عن دربه بحركة سريعة، فانغرز بكرسي من الكراسي بجانبه، التقطه عبدالحليم و  رماه على الابن الكائن الذي هاجمه بقوة فأصاب صدره، صرخ الكائن حينما رأى ابنه يرتمي على الارض و دمائه تفيض من جسده و ركض هو و ابنه الثاني عليه، صرخ عبدالحليم في وجهها "لن تحتلوا العالم و نحن موجودين!!!"
اطلق الكائن صرخة متوحشة زلزلت صالة السينما فركض عبدالحليم الى الخارج ليجد الجيش بوجهه، فالتقطه الجند و هو بحالة رعب و ارباك و هو يؤشر بيده الى داخل الصالة، دخل الجند الى الصالة ليجدوا الهواء الطلق و السينما في وضعها الطبيعي، 

CONVERSATION

0 comments: