رسالة عاجلة إلى كلّ شاعر واعد/ فراس حج محمد

الهجاءُ والشعر!

اعلمْ أن الهجاءَ بابٌ كبير من أبواب الشعر العربي، وخلّف ديوانا ضخما من (الشعر)، وقد هذى به كثير من الشعراء الفحول، وترك ظاهرة سوداء في تاريخ شعرنا العربي الجميل فيما عرف بـ(النقائض) الهوجاء، وهي بالمناسبة قصائد ليس فيها أيّ ملمح من جمال، على الرغم مما قيل عن أهميتها اللغوية، نقائص الشعر ونقائضه أفقدتِ الشاعر جمال روحه وأناقته التعبيرية، وجعلته محموم الطين، ممتقعاً في أرضيّة البؤس، رفيق الشيطان، ومع الشيطان، وبوقا للشياطين!!  
واعلم أيها الشاعرُ أن الشاعر أسمى من أن يشتم أحدا أو ينتهك عرض أحد! هو وحده نبيّ العصر وصاحب الرسالة، والنبي ليس هجّاء ولا فاحشا ولا سفيها ولا مجنونا، الشاعرُ رؤية ومحبة ونور، يساعد النفسَ على أن ترى الجمال وتصنعه، وتفيض بالحب على كلّ الكائنات، والشاعر أنقى نسمة في تاريخ الإعصار البشري، لا يعرف التشويه والتحطيم، هو الباني والرائي والساعي والمحلّق، فكيف له أن يركل الحياة بشيء من تفاهة الهجاء التي لا تعطيه إلا قيمة سلبيّة تستبيح انتماءه لكل عالم فاحش غير نظيف!!
ولتكن على يقين أيها المقبل على اللحن والترديد والتغريد أن الشعراء النبلاء لم يكونوا ليمارسوا الهجاء الفاحش، كالتي رأيناها في بعض تلك النماذج السفلى من نقائض العصر الأموي ونقائصه، أما الشعراء الآخرون من الذين هجوا فقد كانت تلك سقطاتهم على كل حال؛ فالشاعر يجب أن لا يهجو أحدا، عليه أن يتعالى ويسمو فهو الشاعر، ولنتذكر جميعا أن أبا فراس الحمداني الشاعر الأمير لم يهجُ أحدا، فنفسه الرضية كانت أنقى وأطهر من سبّ الناس والجريان خلف معايرتهم ونبش عيوبهم، وفي المقابل، ألم يكن الحطيئة أسوأ شاعر عرفه تاريخ الشعر العربي؟ فلم يكن ذا نفسية شاعريّة، وإن أتقن نظم الشعر ونسجه والصعود إلى مدارج سلمه، لم يكن سوى مريضٍ مرضا نفسيا مزمنا، يعاني من كثير من أعراض التحقير الذاتيّة، فقد هجا نفسه وأمه وأباه والناس أجمعين! 
ولتعلم أيها المفتون بالحرف والفكرة أن الشاعر متعلق وجدانه بالورود والعطور والحياة، لا يرى الشوك.. حتى البقع السوداء يشتق منها جمالا ونورا وأملا للقادم الذي كرّس حياته ليكشف عنه، فالشاعر هو السرّ الذي يعطي للحياة طعمها الباذخ رغما عن كلّ مرارة وعلقم وشذوذ بشري!!
الشاعر الحقيقيّ لا يحتاج للهجاء، ولا يتوافق مع ما سكن داخله من وحي إلهي مهيب وجمال عجيب، ولنتذكر أن أصحاب الألسن السليطة من الشعراء، لم يكونوا محترمين في أعين الناس، وشر الناس من اتقاه الناس تجنبا لشره!
أيها الشاعر،،،، 
تذكر أن الشعر ليس مهنة أو مجرد نظم شعر وتَطَرُّبا بالقول وصناعة الصورة، الشعر قبل كلّ شيء وبعده، هو حياة نورانيّة، وقبس من روح الله، فحافظ عليها من الكدر، ولتظلّ ساميا بها ولتسموَ بك الروح في عوالم أنت سيّد حضورها!!

CONVERSATION

0 comments: