لماذا كل هذا الإجرام والقتل الوحشي؟/ راسم عبيدات

الجريمة تلو الجريمة ترتكب من قبل عصابات مجرمة،تجردت من كل معاني القيم والإنسانية،وهي أقرب الى حد كبير،او لربما ما دون تصرفات وممارسات الحيوانات في جرائمها المرتكبة،والتي لا يملك أي إنسان عاقل مهما كان مذهبه او معتقده او دينه،إلا ان يعبر عن مدى اشمئزازه وقرفه من مثل تلك الجرائم البوهيمية،والتي واضح أن من يمارسونها يمتهنون القتل والحقد على كل ما هو إنساني،فلا يمكن لأي عاقل من أي مذهب او معتقد أو ديانة كانت أن يبرر مثل هذا السلوك وتلك الأفعال الإجرامية،وانا أرى ان كل علماء النفس والمصلحين الإجتماعيين،لم يعايشوا مثل هذه الظواهر بمثل هذا الفعل والسلوك الإجرامي الإنحرافي الممارس.
كيف لنا ان نتصور عملية قتل لإنسان وأكل أحشائه؟؟،أو جز رؤوس الناس بطريقة تعبر عن سلوك إنحطاطي،لا أظن بأنه إرتكب بفعل النازية او الفاشية أو أكثر الجماعات البشرية تخلفاً وتعصباً،جز الرؤوس والتباهي بجزها دون ادنى أي إحترام لحياة الناس او البشر، كما جرى مع العمال المصريين الأقباط ال(21) في ليبيا،او عملية حرق الطيار الأردني الكساسبة حياً،هي ليست فقط جرائم ضد البشرية والإنسانية،بل هذا السلوك الإنحرافي،لم يكن وليد صدفة او مرحلة طارئة او عابرة،بل علينا أن نتجاوز بيانات الشجب والإستنكار أو التنديد بمثل هذه الجرائم،لكي نقف على أسبابها ومن يغذيها،ومن المعني بتوسعها وإستمرارها،وكيفية معالجتها وإجتثاثها من واقعنا وبيئتنا.

في سياق التفسير لهذه الظاهرة،والتي يحاول البعض ان يلصقها في الإسلام والمسلمين،كون الفعل والممارسة على نحوها الواسع تحدث في المنطقة العربية والإسلامية،وإن كان الإرهاب والقتل لا وطن ولا دين له،وليست مقتصرة على مذهب او دين او طائفة بعينها،ولكن نحن في تحليلنا حول ما تقوم به عصابة "داعش" واخواتها وأمهاتها من جرائم في منطقتنا العربية،لأن هناك جرائم إرتكبت تضاهي ما ترتكبه "داعش" وغيرها على خلفيات التعصب الديني والقومي والعنصرية والتطرف،حيث جرى قتل ألألاف من المسلمين،بل وعشرات الألاف في بورما ونيجيريا على خلفية المعتقد والدين،وكذلك على خلفية العنصرية والتحريض الأعمى،إرتكبت جرمة قتل بحق فلسطيني وزوجته وشقيقتها في امريكا،ولكن تلك الجرائم لا تجري بشكل ممنهج ومنظم،كما هو الحال في إطار ما تقوم به "داعش" وغيرها من المجموعات والعصابات المجرمة المستجلبة من كل أصقاع الدنيا الى منطقتنا العربية.

في تحليل وتفسير الظاهرة نقول بأن هناك فئة أو تيار أو قراءة معينة للدين الإسلامي،تعيش في الماضي وكل فعلها وتصرفها مرتبط بالفعل الماضي الناقص كان،والذي حدود عقلها وتفكريها متجمد عنده،حيث يفترضون صورة للماضي،يجتهدون في تثبيتها،ويحاولون جعل حياة الناس إنعكاس لتلك الصورة،وليس المهم ان تكون الصورة المتخيلة حقيقية،بل ما يهمهم أن يعيش الناس حاضرهم وفق ماضيهم المتخيل،وهؤلاء يعتقدون بأن المجتمع مطواع لهم،وبأن التاريخ يخضع لهندستهم الإجتماعية،ولا يؤمنون بأن التاريخ مجموعة حقائق،بل هو منساق وفق رغباتهم،ولذلك يهملون الحاضر،ويحقدون على أهله،ومن هنا يوغلون فيهم قتلاً وفتكاً،وهم ما يعنيهم بالأساس أبناء مجتمعاتهم الأقربون،بغض النظر عن المذهب او الطائفة او المعتقد،وليس الصهيونية او الأمريكان، فهم يرون بأن أهل الحاضر أشرار يجب قتلهم،وهم يريدون تطهير المجتمع وأنفسهم من هؤلاء الأشرار الذين لا يشاركونهم رؤيتهم وموقفهم وقناعاتهم،وهنا يصبح القتل مشروعاً على نحو اوسع وأكبر،عندما نجد أن أصحاب هذه القراءة،إنضم إليهم أصحاب قراءات إسلامية أخرى،بفعل سيطرة البترودولار الراعي والمنبت لهذه القراءة على الوعي العام.

"داعش" وأخواتها وأمهاتها،هي أسماء وعناوين ويافطات لنفس الجسم المتولدة من رحمه،هي صحيح إبنة بيئتنا ووجدت في سياقاتنا الإقتصادية،الإجتماعية،السياسية،الثقافية،الأمنية،وهي نتاج لفكر وثقافة الكهوف والسجون طورا بورا وغونتانامو وغيرها،ولكن ما هو أصح بأن ما مرت به وتمر به المنطقة العربية،وما عاشته من ظروف،هي من انتجت هذه الظواهر المحتضنة من قبل المال والبترودولار والكاز.

المنطقة عاشت فترة طويلة من الجهل والتخلف والفقر والجوع والقمع،وسيادة ثقافة السمع والطاعة والشعوذه والدروشة وتأليه وتقديس الحاكم والمسؤول،والحجر على العقول والأفكار وتعطيل الإجتهاد بامر الحاكم والسلطان،وإخضعت البلدان للقمع والقتل وتعذيب وشنق المعارضين وسجنهم ونفيهم،وكبتت الحريات وإمتهنت الكرامات في عهد الديكتاتوريات العربية والفساد والإستبداد،ولم تكن هناك دولة مواطنة،ولا توزيع عادل للثروات،او مشاركة في الحكم والقرار وغيرها.
أيضا يضاف لهذه العوامل إلباس الخلافات السياسية ثوب الدين،او استغلال الدين لخدمة أهداف ومصالح دنيوية وسياسية.

كل ذلك إرتبط بمشروع جديد إستعماري للمنطقة،هو مشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي،القائم على تجزئة وتقسيم وتذرير وتفكيك الجغرافيا العربية وإعادة تركيبها على أسس مذهبية وطائفية وأثنية،ولذلك كان لا بد من وجود تيارات وقوى تتساوق وتتماشى مع هذا المشروع وتشكل رأس الحربة في تنفيذه،فتزاوجت مصالح فقه البداوة والبترودولار والمتأسلمين الجدد مع مصلحة الأمريكان في تنفيذ هذا المشروع،ولكن تعثر هذه المشروع على الجبهة السورية،وحصول حالة إنقلاب للسحر على الساحر من حيث عدم القدرة على ضبط تلك العصابات المجرمة "داعش" "نصرة" " الجبهة الإسلامية" "قاعدة " وغيرها،إستدعى جراحة موضوعية،تبقى على هذه العصابات تمارس دورها في التدمير والتخريب والقتل في المنطقة العربية،وبما لا يشكل خطر على المشروع الأمريكي في المنطقة،بل يخدم مصالحها واهدافها وينمي إقتصادها ومصانع أسلحتها،ولكن بوهميتها وشكل إجرامها المقزز إستدعى مثل هذه الجراحة الموضعية.
إن إجتثاث مثل الجماعات من مجتمعاتنا يتطلب أولا قبل كل شيء،تجفيف كل منابع ومصادر تمويلها،والعمل على التدمير والإجتثاث الشامل لكل بناها التحتية والمؤسساتية دينية،اغاثية ،توعوية ،ثقافية وغيرها.
وإعادة صياغة المناهج التربوية والتعليمية،بما يربي على المواطنة الكاملة والإنتماء للوطن،وإحترام التعددية الفكرية والسياسية والدينية،وحظر إستخدام المنابر في المساجد والمؤسسات لدعاة الفتن والتحريض وأصحاب هذا الفكر الظلامي.

وفي الختام أقول أنه مرحلة التراجع والإنهيار،وغياب دور رجال الفكر والنخب السياسية والإعلامية والأكاديمية وعجزها عن التصدي للفكر المذهبي والطائفي وما تبثه وتنشره تلك الحركات الإقصائية من أفكار هدامة وتدميرية،فلا غرابة ان نجد من يدعون لبعث روح القوميات الآرامية والكنعانية والفنيقية وغيرها.

نحن في مرحلة الضعف والإنهيار وتشوه الوعي وفقدان البوصلة، وغياب المفكرين وعقم الأحزاب الثورية والتقدمية والقومية والعلمانية، وكفها عن انتاج فكر ومفكرين، فإنه ليس من الغرابة في ظهور من يرقص على إيقاعات الطائفية المرعبة: سني – شيعي – يزيدي – أشوري- كلداني – شافعي –مالكي – حنبلي- روم أرثوذكس – لاتين – موارنة – دروز – سريان – لوثري – أرمني...

CONVERSATION

0 comments: