لماذا لا تنتفض غزة؟/ عبد الكـريم عليــان

ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة      
   وحق لسكان البسيطة أن يبكوا
تُحطمنا الأيام حتى كأننـــــــــــا     
       زجاج ولكن لا يعاد له سبـــك  
    (عمر الخيام)

إذا ما ركبت في سيارة أجرة، وإذا ما تجولت في السوق أو الأماكن العامة، وإذا ما سجلت للسفر، وإذا ما تعاملت مع مؤسسة عامة أو خاصة، وإذا ما زرت المستشفى ـ عافاك الله ـ أينما سرت وتجولت في غزة والتقيت بالناس؛ فإنهم لن يتوانوا من التعبير عن سخطهم وغضبهم من الحال وشظف العيش.. وإذا ما وثقوا بمن يحدثونه خصوصا إن لم يكن له علاقة بأمن حماس، فيسمع منهم العبارات الجارحة بحق الحكام.. ويأكلون أصابعهم ندما لأنهم انتخبوا حركة حماس التي باتت تحكمهم بالحديد والنار منذ أكثر من ستة سنوات.. وبدلا من التخفيف عن بلواهم راحت تزيد من معاناتهم وقسوتهم.. والأخطر من ذلك إذا ما دققت أكثر في الحالة النفسية للمواطن الغزي فسوف تكتشف الغصة لدى الغالبية خصوصا كبار السن وأرباب الأسر، وفي هذا الشأن غاب عن حارات غزة أهم ما يميزها ويجعلها فريدة عن أي مكان آخر في العالم ألا وهي الحميمية والدفء بين أهلها وتعاونهم مع بعضهم البعض.. وانسحبت الناس وانكفأت على ذواتها، وأصبح البيت هو المأوى الذي يهرب إليه الناس خوفا من المواجهة.. وعدم رؤية ما ينغص القلب ويجلطه..!
لا عمل، ولا إنتاج، ولا مؤسسات خيرية أو مانحة، ولا حريات، ولا تعليم صحيح، ولا رعاية صحية، ولا زواج للشباب ولا هجرة تريحهم من العذاب.. سجن وعقاب لمن يقترب من الحدود إذا ما بقي على قيد الحياة.. أزمات كهرباء وأزمات وقود..إلخ. فقط ! هناك قلة من تجار الأنفاق والمتنفذين بالإضافة إلى مؤسسات اقتصادية كالبنوك والاتصالات يسرقون المواطن في كل ثانية دون حسيب أو رقيب.. وحكومة غزة "الربانية" لا تعير أي اهتمام لما يجري لرعيتها، وكأنهم لم يسمعوا حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم :  )) ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت، وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة (( ، ويكفيهم تبييض الأموال التي رفعت من أسعار الأراضي والعقارات وأجور السكن بما لا يصدقه العقل..  ها هي غزة تعيش منعزلة محاصرة من حكامها أولا ومن أعدائها أخيرا.. ويبقى السؤال المحير لدى العامة: لماذا يصمت شعب غزة على جور حكامه وظلمهم؟ أو لماذا لا تنتفض غزة لتنال حريتها..؟
غزة التي ابتكرت الانتفاضة الأولى ضد الاحتلال الإسرائيلي بعد أكثر من ثلاثين سنة.. غزة التي ابتكرت اللجان الشعبية في كل حاراتها.. لم تستطع بعد ابتكار الشكل النضالي المناسب لكي تتخلص مما هي فيه وتصبح حرة.. قبل أكثر من عام جرب شباب غزة على غرار جيرانهم المصريين وشباب (الفيس بوك) بالقيام بنفس التجربة المصرية، لكنها لم تكمل يومها في ساحة الكتيبة يوم 15 آذار من العام 2011، حيث اقتحمت قوة أمنية كبيرة من سلطة حماس فأصيب العشرات من المعتصمين، كان من بينهم عدد من الصحفيين والكتاب والمثقفين، ووئد الاعتصام في حينه ولم يتكرر بعده بأي شكل آخر.. الشعار الرئيسي الذي طرحه الشباب في ذلك الحين كان "الشعب يريد إنهاء الانقسام" وهذا الشعار أو هذا المطلب لم يكن صادقا بقدر ما كان التفافا على الحقيقة، وهي: "الشعب يريد إسقاط النظام"، وخوفا من بطش قوة حماس لهم، وليس ذلك فحسب، بل قامت حماس بسحب البساط من تحت أرجل شباب 15آذار حينما قامت بحشد كل قوتها وكل عناصرها ومناصريها، وسرقت شعار "الشعب يريد إنهاء الانقسام" وسرقت ساحة الجندي المجهول التي كان مقررا الاعتصام فيها من قبل شباب 15آذار، فملأت الساحة بمؤيديها وعناصرها كأنها هي من تريد إنهاء الانقسام.. خبث ودهاء أكبر من طاقة شباب 15آذار..!
الشيء الغريب الذي يتطلب منا الدراسة والبحث حول فصائل منظمة التحرير خصوصا القوى اليسارية التي تعتبر نفسها قوى طليعية للشعب؟! هذه القوى التي باتت أوهن من بيت العنكبوت وأصبحت دكاكين ارتزاق تنتظر رواتبها بداية كل شهر؛ فصارت عبئا ثقيلا على الشعب الفلسطيني.. وبين الفينة والأخرى تقوم باستعراض هنا.. واستعراض هناك خوفا من الانقراض، أو التقهقر.. أحد قادة هذا التيار قال لي حين سألته عن موقفهم إزاء شظف العيش والأزمات التي يمر بها أهل غزة، فقال: " لا يمكن لنا أن نتصدر النضال من أجل أناس ينامون في بيوتهم.." بالطبع لم أستمر في نقاشي له لأجل الإجابة السابقة..؟! لكن هذه الفصائل تشارك حماس في بعض الأنشطة الاستعراضية كان آخرها التضامن مع الأسرى.. ولم يقم أي فصيل من هذه الفصائل بتنظيم مسيرة احتجاج واحدة ضد ممارساتها وسياساتها (حماس) التي أوصلت غزة لما هي عليه من حال، واكتفت أحيانا بتصدير بيان استنكار أو غير استنكار..!؟  أليست غزة كلها أسيرة في يد سلطة حماس؟؟ ألم تتحول غزة إلى منفى للمناضلين؟؟ ألم يقل لكم كارل ماركس "لا تطلبوا من الناس أن يمارسوا الثورة والفن قبل توفير المأكل والملبس لهم.." لا نفهم ما الذي أصاب هؤلاء الثوريين!؟  أليست هذه ( فوبيا ) أصابت تلك التنظيمات..؟؟
هذا هو المشهد في غزة.. سائقون بسياراتهم ينتظرون في طوابير الذل والإهانة لساعات طويلة في الليل والنهار من أجل الحصول على بعض لترات من البنزين أو السولار لسياراتهم أو لمولدات الكهرباء لتغطية العجز في التيار الكهربائي.. وبالطبع في هذا الحال تخلق المشاحنات والشجارات، وأدت في بعض الأحيان إلى القتل بالرصاص أمام أعين قوة حماس إن لم تكن بمشاركتها.. هذه الطوابير التي نشاهدها كل يوم وعند كل محطة وقود لو نظمت ووجهت ضد السلطة لأسقطت أكبر سلطة مهما كانت قوتها..  ماذا تفعل الناس وقواها السياسية مصابة ( بالفوبيا )؟!  إذا كان القائد الثوري يقول: لن نتصدر النضال من أجل أناس ينامون في بيوتهم.. بالمقابل من حق الناس أيضا أن يقولوا: لن نناضل من أجل تنظيمات لتصبح قياداتها وزراء ومدراء ومدراء عامون ومراتب عسكرية يلهفون جل موازنة السلطة..؟! إذن من أجل ماذا سيناضل الناس؟؟ لسنا دولة فيها من الخيرات والثروات ما يحقق الراحة والرفاهية للناس، ورؤية أهل غزة للربيع العربي كما يسمونه.. أصبحت واضحة كل الوضوح لهم بعد أن بدأت تلوح لهم سيطرة الإخوان في دول الربيع وهم قد ذاقوا الأمرين، وما زالوا.. فكيف لهم إذن أن ينتفضوا في وجه قوة وحشية لا رحمة لديهم بدعم إقليمي مشبوه.. لا مفر من القوى الطليعية إلا التحرك باتجاه الجماهير وأخذ زمام المبادرة للوقوف في وجه الفساد وليس المشاركة فيه، وفي الوقوف في وجه الفقر وعدم تكافؤ الفرص أمام أبنائنا والتخلي عن الأنا والمحسوبية.. وفي وجه البطش والجور والظلم وليس الصمت والسكوت والتربص.. وفي الوقوف في وجه الذين تخلوا عن المعركة الأساسية مع الاحتلال واكتفوا ببعض المكاسب والامتيازات الشخصية، فوق هذا وذاك والأهم.. مطلوب بالمقابل من السلطة الشرعية مراجعة سياساتها تجاه غزة في كل المناحي بدء بالموظفين وحقوقهم، وانتهاء بالبنوك وخدمات الاتصالات وغيره من التخفيف عن كاهل المواطنين.. ما غير ذلك نعتقد أن الاحتلال المتربص بنا سيستمر في سياسته العدوانية، وسيستمر في التنكر لكل حقوقنا الشرعية...!؟           

CONVERSATION

0 comments: