الدين لله .. والوطن للجميع/ أنطوني ولسن

كنت أتصفح كتاب " المغترب " الجزء الثاني والذي يحتوي مقالات كتبتها ونشرتها بالصحف العربية في سدني الصادر في عام 1997 ، فوقع بصري على هذا المقال  " الدين لله .. والوطن للجميع "  ، والذي تم نشره بجريدة " النهار " التي تصدر في أستراليا بتاريخ 13 / 6 /  1996 
أعدت قراءته ثم قررت أن أعيد نشره مرة أخرى بعد مرور تلك السنوات للمقارنة بين ما كتبته في ذلك الوقت و ما نعيشه على أرض الواقع في مصر هذه الأيام . وأرجو المشاركة
"  يوم الثلاثاء الرابع من حزيران / يونيو فاجأتنا الزميلة ماجدة عبود صعب منسقة البرنامج العربي في اذاعة ال ( اس بي اس ) بالحديث عن التعدد الديني أو العقائدي في بلد يتخذ من التعددية الثقافية نمطا للحياة . وذلك من خلال البرنامج الجديد الذي تقدمه تحت عنوان " البث المباشر " ، الذي يعتبر بحق من اقوى البرامج التي تعطي للمستمع العربي فرصة التعبير عن نفسه والمشاركة في كل ما يدور حوله .
أقول قد عرضت هذا الموضوع للمناقشة عبر الأثير . ولأهميته في رأيي لأن الدين يشكل في بلادنا الأم عصب الحياة . وهو العمود الفقري الذي ترتكز عليه المجتمعات العربية والدول النامية . وهو المدخل الرئيسي للمستعمر الغربي والأسرائيلي لتفتيت البنية الأساسية لمجتمعاتنا عن طريق بذر بذور الفتنة الدينية بين أبناء دين واحد ، أو بين أبناء الأديان الأخرى المتواجدة في بلادنا .وجدت نفسي مشاركا بالقلم في هذا الموضوع .
نغمة فرق تسد وجدت آذانا صاغية واستحسانا بين بعض الناس . فأخذوها من أصحابها وتولوا هم عزفها على آلات والحان مختلفة . تارة بأسم عقيدة أو ملة أو مذهب . وطورا بأسم مسلم ومسيحي . يزداد عزف الفرقة ، ونزداد نحن انقساما وبعدا عن بعضنا البعض ويحاول كل فريق أن يثبت للآخر انه الأصلح وانه الأفضل بالنسبة لهذا المجتمع او ذاك . وتعيش المجتمعات الفقيرة مطحونة بأسم الدين أو العقيدة أو المذهب . ولم يعد الوطن هو المفدى والذي من أجله استشهد الناس على مر التاريخ ، ومن أجله كُتب التاريخ بدماء الشهداء .
الدين هو أسلوب حياة كما قال أحد المستمعين . وفي الوقت نفسه دحض مقولة الدين لله والوطن للجميع . وقال أيضا أن للأوطان أديانا هي أديان الغالبية العظمى من أبناء تلك البلدان .
ألدين أسلوب حياة .. نعم .. هذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان . الدين هو الحد الفاصل بين الظلمة والنور . والدين هو مقوم تصرفات الأنسان . لذا أوجد الله الأديان وأوحى بها للأنسان عن طريق رسله وأنبيائه ليعلم الأنسان طرق الحياة ويتخذ له أسلوبا قويما صحيحا يتبعه ويميزه .
لا شك أن تصرفات الأنسان المتدين تختلف اختلافا بينا عن الأنسان غير المتدين . فالمتدين يخاف الله ويحب خلق الله دون تمييز بينهم بسبب لون أو جنس أو دين أو عقيدة أو مذهب . فاذا ميز متدين نفسه عن الآخرين لأنه متدين . ميزته الوحيدة أنه يعرف أن الله محبة لذا يحب كل الناس . وان مخافة الله فيما يعمل واجبة ومقدسة . لذا لا ينهي عن شيء ويفعل مثله . لا يحلل لنفسه ما يحرمه على غيره . يكون المتدين سمحا بشوشا مبتسما ، هاديء الطباع ومحسنا . يؤمن بأله واحد خالق الكل . وارضاء هذا الأله هو في البشرية ومساعدة المحتاج والأخذ بيد الثكالى والأرامل والمحتاجين دون تمييز أو تفرقة .
هذا في اعتقادي من أن الدين أسلوب حياة . فاذا كانت اجابة المستمع تتفق مع هذا القول فلا أحد يختلف معه .لأننا جميعا لو اننا اتخذنا من أدياننا أسلوب حياة . سيصلح حالنا وتستقيم أمورنا ونفوت على المستعمر كل خططه ومحاولاته الدائبة في وضع بذور الفتنة بيننا .
اما اذا كان الدين أسلوب حياة  يُفرض على كل الناس بالقوة والجبر ، فهنا اتساءل اي دين سنفرضه أسلوب حياة ؟ ونكون بهذا قد دخلنا في دائرة الأقلال من شأن أدياننا ومن شأن وطنيتنا . ومن شأن ما جاء على لسان الرسل والأنبياء " لو شاء ربك لوحد الأديان " .. أليس كذلك ؟!!
اما مقولة الدين لله والوطن للجميع فما أشد احتياجنا اليها في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها الأمة العربية والدول الفقيرة النامية . " لكم دينكم ولي ديني .. لا اكراه في الدين .. لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ". والكثير من الأقوال المقدسة الحكيمة تثبت أن الدين والمعتقد لله وحده . لأن في يوم الدينونة سيحاسبنا عز وجل على ما فعلت أيدينا وأنفسنا ، وأن كنا تبعنا الهوى والضلالة أو سرنا على الصراط المستقيم . ان كنا قتلنا .. أم مددنا يد الحياة لأنسان بائس محتاج يعيش على أرض وطن واحد دون ما تمييز بسبب دينه أو لونه .
والدين أسلوب حياة ، والدين لله والوطن للجميع يتمم بعضهما البعض . لأنني متدين فأسلوب حياتي سيكون بالتقوى . فاذا كنت مسيحيا مؤمنا فسأعمل على رفعة وطني وعلى الفداء من اجل وطن واحد يعيش فوق أرضه الجميع .
أما إذا جاء انسان وقال لي لا .. انت مسيحي مثلا وأسلوب حياتك الديني لا يهمني وأنه لا مكان لك عندي في مجتمعي .. مجتمع الأكثرية التي لا تعتنق دينك بل تعتنق دينا آخر فسأقول له لقد أخطأت يا أخي .. فدينك لم يحرضك علي .. وديني حثني على محبتك وبذل الغالي والنفيس من أجل وطني . وأيضا أقول لك يا أخي ، الوطن في حاجة لكل مواطن مخلص من أجل تقدمه ورقيه . وأقول لك أيضا يا أخي لا تنزلق في المنزلق الذي أعده لك عدو عارف تمام المعرفة كيف يجعلنا ندور حول أنفسنا في التداخل بين أدياننا وقضاء أكبر وقت من يومنا نتجادل في أي دين أقوى أو أي دين نتبع متناسين انها ارادة الله  " لو شاء ربك لوحد الأديان " ، ونضيع ونتأخر ونظل متأخرين .
في اللقاء المعجزة الذي تم بين فضيلة الشيخ شعراوي وقداسة البابا شنودة الثالث ، قال قداسته لفضيلة الشيخ ما معناه " فلنجعل المحبة بيننا وهناك رقعة كبيرة بيننا نستطيع أن نتعايش عليها سويا دون الخوض في أشياء لا تخدم الوطن " .
الدين لله والوطن للجميع لا ينفي أبدا أن الأوطان تتبع دين الغالبية من أبنائها . فليس من المعقول أن نقول أن مصر مثلا بلد مسيحي . وليس من المعقول مثلا أن أستراليا  بلد مسلم . لكن من المعقول أن نقول أن مصر المسلمة مثلا لكل مواطن فيها الحق في الحياة وتقلد الوظائف حسب كفاءته لا حسب دينه . وأيضا في أستراليا .. كل مواطن له حق الحياة الكريمة وتقلد الوظائف حسب كفاءاته ، لا حسب دينه . وهنا نجدنا مشدودين ان شئنا أو أبينا الى مقولة الدين لله والوطن للجميع . فاذا ابتعدنا عن هذا القول ولم نجعله طريق حياة في أوطاننا ، فاننا بعلمنا أودون أن ندري نخدم المستعمر على اعادة لحن فرق تسد الذي يدخل به دائما عن طريق عازفين يدفع لهم وبسخاء ليظلوا قائمين على عزف لحن التفرقة بين شعب واحد وأمة واحدة ووطن واحد بسبب الدين أو المذهب أو العقيدة أو الجنس أو اللون . ولا نلوم غير أنفسنا اذا تأخرنا وتقدم غيرنا " .
عزيزي القاريء ما رأيك ، هل حدث أي تغير منذ كتبت هذا المقال ونشرته ووثقته في كتاب " المغترب " الجزء الثاني ، وأصدرته عام 1997 ؟؟!!
أترك لك الإجابة مع التكرم بالتوضيح لماذا سلبا أو إيجابا ...
سدني في 16 / 5 / 2012 .

CONVERSATION

0 comments: