الإنسان هو معيار الحياة/ صالح خريسات

مارست الكتل البشرية عباداتها، مدى تاريخها الكامل، وظلت تبحث في أزمانها المتباعدة، عن دين يوجه إلى إرادة الخير، وكراهة الشر، ويغرس في النفس، حب الحق والعدل، ومقت الظلم والباطل. وادعت الجماعات البشرية المتساكنة، أن دينها فقط، من بين سائر الأديان الأخرى، هو الدين الصحيح، وما عداه التخريف والتحريف. لكنها أدخلت في جملة آدابها الدينية، فكرة التسامح مع الأديان الأخرى، وهي فكرة ملغمة خطيرة، تجعل أتباع الديانة الواحدة، ينظرون إلى أتباع الديانات الأخرى، نظرة اقل شأنا، ولكنها تتسامح بقبولهم، والتعايش معهم، لأن دينها يأمرها بذلك، وهم يعلمون أن الله لا يخلق دينا يأمر الناس بإتباعه، ثم يقول لهم اتركوه. وقد جربت طائفة أخرى من البشر، أن تعيش حياتها بلا دين، ولم تجد ما يدعوها إلى اختيار ديانة سماوية، أو أرضية، بل إنها تسخر من كل الديانات، وتنسبها إلى الهوس، والهذيان، وقلة المعرفة، أو الخوف من المجهول.
وقد ظل الناس في كل زمان ومكان، يتجاوزون فكرة الأخوة بين بني الإنسان، ولا يقيمون وزنا لها. وهم يدعون بان المصالح الشخصية والدولية، هي التي تحكم مسيرة التاريخ البشري، وترسم حدود العلاقة بين الناس.لكن أحدا منهم لا يستطيع أن يقرر بأن روحه مستقرة وغير قلقة، وأن العالم الذي نعيش فيه، يسوده الأمن والطمأنينة.
فلا بد، والحالة هذه، من إعادة النظر في القيم التي تحكم الإنسان، وتولد قناعاته الجديدة، ليكون الإنسان وحده، وليست المصالح الشخصية والمنافع الذاتية، هو المعيار الحقيقي للحياة. إن الدعوة إلى الأخوة بين بني الإنسان جميعاً، بصرف النظر عن المكان أو الجنس أو اللغة التي ينتسبون إليها، يجب أن تتجدد في كل حين، لتكون آية أو سورة من سور الكتاب المقدس. فكل الأديان تدعونا إلى مساعدة بعضنا بعضاً، وإلى العفو عما ينالنا من إساءة يرتكبها الآخرون، ويطالبنا الدين بالإحسان العملي النشيط إلى الناس. فالطبيعة تأمرنا بأن نفيد الناس، سواء كانوا أحراراً، أو عبيداً موالي، أو مولودين أحراراً، وحيثما وجد كائن إنساني فثم مجال للإحسان. فما الذي يمنع من أن يكون الإنسان محبوباً من الجميع وهو حي، وأن يأسف عليه الناس وهو ميت؟!أليس في ذلك سعادة أجمل من طل أشكال العداوات؟!.
إن عقاب المذنب ضروري، بشرط ألا يكون ذلك في ساعة الغضب، أو بدافع من الرغبة في الانتقام.والخلاص من الآفات الاجتماعية، والأمراض النفسية،والعدائيات الدينية،لا يكون بالعزلة والانطواء على النفس، أو مقاطعة الآخرين بحجج واهنة. فالعزلة لا تفيد، لأنك إذا كنت لا تستطيع تغيير نفسك، فبالأحرى لا يستطيع تغيير المكان أن يغيرك، وأينما ذهبت فلا مناص لك من الصراع مع نفسك.وقد يؤدي بك هذا الوضع المتأزم إلى إعلان الحرب على الآخرين.

CONVERSATION

0 comments: