المفاوضات خيارهم الوحيد/ نبيل عليان إسليم

تعتبر عملية التفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي من أكثر القضايا حضوراً في الشارع الفلسطيني، فعمرها يزيدُ عن عشرينَ عاماً، حاول المفاوض الفلسطيني طيلةَ هذه السنين أن يوهمَ نفسه وشعبه بأن هذا هو الخيّار الأفضل لاستعادةِ الحقِ الفلسطيني، وقد قدم الطرف الفلسطيني أبعد ما كانَ يتوقع الفلسطينيين من تنازلاتٍ، بالمقابل تمترس المفاوضُ الإسرائيلي أمامَ ثوابتٍ منحها لنفسه، وقد تعاقبَ على المفاوضات خمسة رؤساءٍ لحكوماتٍ في (إسرائيل) ولم يقدموا تنازلاً حقيقياً يدفع (عملية التسوية) خطوةً إلى الأمام، بالمقابل تكفل المفاوضُ الفلسطيني بالحفاظ على أمنِ إسرائيل، والقضاء على المقاومة في الضفة الغربية، بل قام بتجريمها ونعتها بالإرهاب، وملاحقةِ كل من يفكر بأعمال مقاومة ضد (إسرائيل)، ولعل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي هم أكثرُ من يدرك بأن عملية التفاوض فاشلة، ولن يصلَ الطرفين إلى اتفاق؛ لأن كل منهما يدرك بأن أي تقدمٍ في عملية التسوية هو مساسٌ بالخطوطِ الحمراء التي لن تسمح بها شعوبهم.
لكن الطرفين يُصران على الاستمرارِ في المفاوضات، فالطرفُ الإسرائيلي مستمرٌ في الاستيطان والضغط على الفلسطينيين، وفرض الحصار وكسب الوقت لصالحه والظهور أمام العالم بأنه يريدُ السلام، ويزعُم عدم وجودِ شريكٍ فلسطيني حقيقي في عملية السلام.
أما الطرفُ الفلسطيني فقد حرقَ سفن العودة وقضى على المقاومة وأصبحت أولويات أجهزة أمن السلطة في رام الله مُنصبةً على حمايةِ أمن (إسرائيل) بالدرجةِ الأولى، كما يمثل المفاوض الفلسطيني أحد طرفي الانقسام الفلسطيني الداخلي ويستخدم المصالحة الفلسطينية وسيلةً للمناورةِ والضغط على الطرف الإسرائيلي ليقدمَ بعضَ التنازلات، كما أن الواقع العربي الذي يمر بأسوأ أحواله بدءاً من مصرَ التي لا تستطيع الوقوف بجانب الفلسطينيين في المفاوضات لأن (إسرائيل) من تتبنى تسويق مشروعَ الانقلاب الذي قادهُ السيسي لدى الغرب، كما أن السعودية والإمارات فتنصبُ جهودهما نحو محاربةِ الإسلامِ السياسيّ في الأقطارِ العربية خصوصاً دول الربيع العربي. 
أما الجانب الأمريكي فقد نصبَ نفسه وصياً على مفاوضات التسويةِ الفلسطينية والإسرائيلية، وقد أعلنَ منذ بدايةِ المفاوضات بأنه وسيط متحيز لـ (إسرائيل) بشكلٍ كامل، لأنه يقدم الدعم لها في شتى المجالات، ويدافع عنها في كل المحافلِ الدولية، ويؤكد دوماً بأن (إسرائيل) حليفاً استراتيجياً له وسيدافع عن أمنها مهما كلفه الثمن، ويحاول الوسيط الأمريكي أن تبقى المفاوضات تحت رعايته، حتى لا تتدخل وساطات دولية أخرى غير متحيزة  "لإسرائيل" بالكامل، لتحرج الأخرى أو تضغط عليها لقبول ما لا ترغب فيه.
لذلك فإن كل الأطرافِ المشاركةِ في عملية التفاوض سوءا كان الجانبُ الفلسطيني أو الإسرائيلي أو الوسيط الأمريكي تدركُ بأن المفاوضات مصيرها الفشل حتى وإن استمرت لعشرةِ أعوامٍ قادمة، لأن أياً منهم لا يمتلك مقوماتِ إنجاحها، ويحاول الجميع التشبث بهذا الخيار لأن الخيارات البديلة ستقلب الموازين.
لذلكَ يجب على المفاوضِ الفلسطيني إعادةَ ترتيبِ أولوياته واستراتيجياته، والذهاب إلى الطريقِ الوحيدة التي أثبتتْ نجاعتها مع المحتل وهي المقاومة المسلحة لتعيد الحقَ الفلسطيني لأصحابه، والأولوية الأولى هي إتمام المصالحة الفلسطيني وبناءِ إستراتيجيةٍ وطنيةٍ لتحرير فلسطين مجمع عليها من الكُل الفلسطيني.

CONVERSATION

0 comments: