جنوحُ العقلاء نحوَ الدَّمارِ، جنونٌ حتَّى النّخاع/ صبري يوسف

لقاء عابر وبديع للغاية مع الصَّديق شكري يونو

إلتقيتُ اليوم خلال مراسيم دفن الرَّاحلة الفاضلة حاوى حنَّا جاجو في ستوكهولم، مع الصَّديق الغالي الملفونو الشَّمَّاس شكري يونو، الَّذي جاء مع مجموعة من الأحبّة الأهل والأصدقاء من نورشوبينغ للمشاركة في مراسيم الدَّفن، وقد أدهشني تماماً، من خلالِ كرتٍ صغير، وهو يريه لي بشغفٍ كبير!
كنتُ في حالة عذاء، وفجَّر بي عذاءاً مفتوحاً مضاعفاً، وفتح شهيّتي على كتابة ما أنا بصدده الآن!
تضمّن الكرت تسع صورٍ من مجانين ديريك، حيث كان قد قرأ لي نصَّاً سرديَّاً بعنوان: "حنين إلى ديريك بمجانينها وعقلائها"، إهداء: إلى روح درو دينو، وقد كانت صورة الرَّاحل درو دينو من ضمن الصُّور الَّتي شاهدتها في الكرت!
قلت له متسائلاً، وبنوع من الأسى والحسرة والحنين إلى ديريك، (ديريك بعقلائها ومجانينها)، لو قاد هؤلاء المجانين التُّسعة وما تبقَّى من مجانين ديريك، ديريك! هل كنّا سنرى مقتل أو أذى أو إعتداء أو غُبْن أو ظُلْم لأيِّ شخصٍ من ديريك؟ أما كان هؤلاء سيقودون ديريك إلى برِّ الأمان والوئام والوفاق مع أنّهم مجانين؟ فما كانوا سيتعدَّون على المجانين ولا على العقلاء، فهم برأيي أعقل عقلاء ديريك من حيث النَّتائج الَّتي أراها على مدى أربع سنين وإلى مدى السنين!!! وهذا السُّؤال ينسحب على مجانين القامشلي، ومجانين الحسكة ومجانين كل المدن السُّوريُّة، هل لو قاد مجنونو أيَّة مدينة من المدن السُّوريّة مدنهم القاطنين فيها، هل كنّا سنرى ما رأيناه على مدى السَّنوات الأربعة من جنون مريع مع عقلاء آخر زمن، من كلِّ الأطراف والتّيارات والأقوام، والمحلِّلين والمفكِّرين والسِّياسيين والحزبيين والمعارضين وعباقرة آخر زمن، الَّذين عاثوا فساداً وقتلاً ودماراً وخراباً في أقدم مدن وعواصم الكون، وفي أولى حضارات العالم! 
وهل لو تعاملَ مجنونو أوروبا وأميريكا وبقيّة قارَّات العالم، لما يُحاك في سورية من تدخُّلات دموية سافرة، هل كان مجنونو كل قارات العالم، سيؤذون طفلاً واحداً وطفلة واحدة في سورية؟!
ما كان أي مجنون من مجانين ديريك ولا مجانين القامشلي والحسكة ولا مجانين المدن السورية، يؤذي أي طفل ولا طفلة من سورية، لأنَّ جلَّ ما كان يطمح إليه هؤلاء المجانين ومجانين العالم، هو قليل من الزَّاد، وبسمة منَّا نحن العقلاء، هذا إذا كنّا عقلاء!!! لأنَّ العاقل الحقيقي هو مَن لا يؤذي بني جنسه! وكلُّ مَن يؤذي بني جنسه من العقلاء هو من فصيل المجانين، ولكن شتّان ما بين المجانين الأقحاح والعقلاء المجانين في سلوكهم الدَّموي المرير، لأنّني أرى وبكلِّ وقاحةٍ وإنحطاطٍ، الكثير من عقلاء هذا الزّمان يقتلون العقلاء والمجانين معاً، لهذا لو حكم وقاد مجنون حقيقي ديريك مروراً بكلِّ المدن السُّوريّة، لما وجدناه يؤذي نملة، فلماذا لا نأخذ الحكمة  ــ كما قيل ــ من أفواه المجانين، أم أنَّ العقلاء في حالة منافسة لمجانين هذا الزَّمان على الخراب والدَّمار والهلاك؟!!! 
إلى متى سيبقى الكثير الكثير من عقلاء آخر زمن، مصرِّاً على الدَّمار والخراب والحروب ومناصب آنيّة عابرة، حتَّى لو كانت هذه المناصب سنيناً وعقوداً، لأنَّ البشر كلَّ البشر مجرَّد نسمات عابرة على وجه الدُّنيا، نحن مجرّد ضيوف عابرين في رحاب الحياة، مجرّد ضيوف لا أكثر، ضيوف غير مرغوب في الكثيرين منَّا، بينما المجانين، ضيوف مرغوب فيهم لأنّهم لايؤذون أحداً، وأقصد المجانين المعاقين والمرضى ولا أقصد العقلاء المجانين، لهذا أطلب من كلِّ العقلاء المجانين الَّذي يشنُّون حروباً ودماراً وخراباً في سوريا والعراق والشَّرق والعالم العربي وجميع العالم، أطلب منهم أن يحيلوا أنفسهم إلى أقرب عيادات أطباء نفسانيين، لمعالجة أنفسهم من أمراضٍ أكثر فداحةً وهولاً من أمراضِ المجانين الأقحاح على مستقبل البشريّة! 
متى سيفهم عقلاء هذا الزّمان أنَّ الإنسان سمّي إنساناً لأنّه يألف المؤانسة وهو من أسمى المخلوقات على وجه الأرض، فلماذا لا يعكس سموّه ونبله وأخلاقه الرَّاقية، ويترجم إنسانيّته على أرض الواقع، ويعيش مع بني جنسه في وئام ومحبّة وتعاون وسلام وسعادة وهناء، بعيداً عن القتل والحروب والدَّمار والهلاك الَّذي بدأ يعشِّش في نفوس الكثير من البشر؟!!!
هل وصلَ المرسال؟!!!

ستوكهولم: 8. 1. 2015
صبري يوسف
أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم

CONVERSATION

0 comments: