الفلسطينيون والقاسم المشترك الذي يوحدهم/ ابراهيم الشيخ

لا شك بأن القضية الفلسطينية شغلت العالم العربي لسنوات  طويلة  بأنظمته وشعوبه على حد سواء، وتنافست الانظمة على دعم الفصائل والتنظيمات الفلسطينية من اجل دعم  نضال الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه، ولكن الفلسطينيون حاولوا التخلص من تدخل الدول العربية في شؤونهم المصيرية وعملوا على الاستقلالية في اتخاذ قراراتهم.
بعد الخروج من بيروت عام 1982 وتفكيك البنية العسكرية للقوى الفلسطينية في لبنان  وانتشار فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في البلاد العربية، وعدم السماح بالكفاح المسلح من حدود الدول العربية المجاورة لفلسطين المحتلة، بدأ الفلسطينيون الاعتماد على المقاومة من الداخل الفلسطيني وفجروا الانتفاضة الاولى عام 1987 ومن ثم التوقيع على اتفاقات اوسلو المشؤومة، ولذلك بدأ بريق القضية الفلسطينية يخفت رويدا رويدا، لان الفلسطينيين قرروا الاعتماد على أنفسهم من خلال إجراء مفاوضات مع دولة الاحتلال الاسرائيلية بعد أن فقدوا الامل بأي ضغط عربي على اسرئيل من اجل الانسحاب من الاراضي المحتلة.
لذلك راهن الفلسطينيون على الاتفاقات التي وقعوها مع الدولة الصهيونية لاسترجاع اراضيهم المحتلة، الا ان توقيع هذه الاتفاقات مع العدو الصهيوني ادى الى شق وحدة الفلسطينيين بين مؤيد ومعارض بعد ان وحدهم الكفاح ضد دولة الاحتلال، وحسب هذه الاتفاقات تم انشاء سلطة فلسطينية كمقدمة لقيام دولة فلسطينية على الاراضي المحتلة عام  1967.
وبسبب المماطلة الاسرائيلية وعدم تطبيق هذه الاتفاقات على الارض بقيت حبراً على  ورق، ولم تقم الدولة الفلسطينية، الا ان الفلسطينيين استمروا في المفاوضات العقيمة على امل بأن تقوم دولة الاحتلال بالانسحاب من الاراضي المحتلة، ومن المعروف بأن هذه الدولة الصهيونية لا تلتزم بالشرعية والقرارات الدولية، فلذلك هي تقترح الحلول التي تحفظ امنها غير عابئة بمتطلبات الفلسطينيين الحياتية والامنية المستقبلية.
فمرجعيات قرارات الامم المتحدة هي التي يجب ان تُأخذ بعين الاعتبار في اي مفاوضات مقبلة، وليس الاعتماد ما سيقدمه  الطرف الاسرائيلي، لان قرارات الامم المتحدة يجب ان تكون المرجعية الوحيدة، وهي التي من الممكن ان تحمي وتحفظ حقوق الفلسطينيين بالرغم من سيطرة الغول الامريكي وفيتواته الجاهزة في الامم المتحدة.
ان إنسداد افق العملية السلمية وعدم تحقيق ما سعى اليه الفلسطينيين كقيام الدولة الفلسطينية أدى الى انقسامهم حول جدوى المفاوضات مع اسرائيل، وكذلك تسبب الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة الى سعي القوى الفلسطينية على تعزيز نفوذها هناك ومن ثم اجراء انتخابات حققت فيها حماس الاغلبية مما سبب انطلاق شرارة التنافس على السلطة بين القوى الفلسطينية، ولذلك رأت السلطة الفلسطينية في هذا الوضع الجديد تهديدا لسطلتها ونفوذها، مما خلق حالة كانت غريبة على الشعب الفلسطيني وهي الاقتتال والانقسام.
القاسم المشترك الذي كان يجمع الشعب الفلسطيني وفصائله وتنظيماته المختلفة فكريا، هو الكفاح المسلح ضد دولة الاحتلال الاسرائيلي والنضال من اجل تحرير فلسطين وحالات المعاناة والتشرد التي عاشها ابناء هذا الشعب، ويبدو ان هذا القاسم الذي كان يجمع الفلسطينيين قد بدأ بالتلاشي بسبب عدم االتوافق على كيفية محاربة العدو الصهيوني أوعدم محاربته ومهادنته وكذلك التنافس على السلطة، ولذلك بدأ كل طرف بخلق بيئة مؤاتية لافكاره وقناعاته واجندته التي يريد تحقيقها، ويريد بالتالي فرضها على بقية فئات الشعب الفلسطيني.
 ولكن العدوان الحالي على غزة بدأ يُقرب الاطراف الفلسطينية من بعضها البعض، ويجب ان يشكل هذا العدوان مناسبة للوحدة بين جميع القوى الفلسطينية، لان الشعب الفلسطيني بكل مكوناته مستهدف من قبل العدوالصهيوني، وخير دليل على ذلك هي الهجمة التي تقوم بها اسرائيل ضد السلطة الفلسطينية بسسب سعيها للحصول على وضع فلسطين دولة غير عضو في الامم المتحدة، فتحقيق الوحدة  هو الرد القوي على ما يريد تحقيقه هذا العدو من خلال طمسه وتنكره لحقوق الشعب الفلسطيني.
ان حالة التشرذم التي تعيشها الفصائل الفلسطينية قد اعطت الكيان الصهيوني حجة الى القول بأنه لا يوجد امكانية للوصول الى حل مع الفلسطينيين في ظل هذه الظروف، ومن المعروف بأن العدو الاسرائيلي يماطل ولا يريد تقديم حلاً يؤدي الى قيام دولة فلسطينية، وهو بلا شك المستفيد الاكبر من انقسام الفلسطينيين، ويعمل هذا العدو كل ما في وسعه من اجل عدم اتمام المصالحة بينهم،  لتبقى حجته قائمة ولكي لا يُجبَر على تقديم اي تنازلات للجانب الفلسطيني.
بلا شك ان حالة الانقسام أفقدت الفلسطينيين الكثير من الدعم الشعبي والرسمي في الوطن العربي، وكذلك افقدتهم الاهتمام والدعم الدوليين، وتقوم بعض الانظمة العربية والقوى الدولية باستغلال تشرذم الفلسطينيين وانقسامهم من اجل فرض الحلول عليهم لما يصب في مصلحة العدو الصهيوني.
 فحالة الانقسام في الساحة الفلسطينية والاستمرار في المفاوضات دون نتيجة، وعدم ممارسة الكفاح المسلح الذي وحد الفلسطينيين، والذي لولاه لما سمع العالم عن الشعب الفلسطيني وقضيته التي يناضل من اجلها، كل هذه  هذه المسائل افقدت القضية قداستها وصدارتها في الوطن العربي.
  بدون شك ان هذه المسائل مجتمعة قد اثرت سلباً على قضية الشعب الفلسطيني الذي لا يهمه من يحكم، حركة فتح ام حركة حماس، ولكن ما يهمه هو بأن تقوم هذه القوى بالدفاع عن حقوق هذا الشعب وعدم التفريط بها.
كاتب وصحفي فلسطيني
 

CONVERSATION

0 comments: