رأي خاص أطرحه لمعالي غادة والي بخصوص حادثة تعذيب الأطفال بالهرم/ فراس الور

 – أديب من الاردن
معالي الوزيرة غادة والي وزيرة التضامن الإجتماعي بجمهورية مصر العربية أصلي و ارجو ان تتقبلي مني هذه الكلمات و التي إن كانت بسيطة و لكنها نابعة من الإحترام و التقدير و المشاعر الصادقة لكم، فقررت أن اوجهها عبر هذا الموقع الموقر خوفا من أن لا تصلكم نتيجة كثرة المراسلات التي تستلمها الوزارة، فبالماضي حاولت مراسلة وزارة من الوزارات في مصر عن طريق الإيميل (البريد الإلكتروني) لأكثر من مرة و لكن لم أستلم رد على رسائلي إطلاقا، فأبدء أسطرها بالصلاة الى الله كي يطيل بعمر فخامة رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي و أن يكلل جهوده دائما بالنجاح و التوفيق و النصر بإذنه تعالى، و أوجه لكم و لمؤسستكم الوزارية في بدء هذه الرسالة كل الشكر و التقدير على الجهود القيمة التي تقومون بها من خلال منصبكم الموقر بخدمة المجتمع المصري الشقيق الذي شعرنا مع مصابه في خلال السنوات الماضية و شاهدنا و الدمع المرير بعينينا ما تحمله من مآسي و أحزان يعتصر لها القلب بسبب الربيع العربي و ما جلبه لبلادنا من آحزان قاسية أثقلتنا بما لم نكن مهيئين لتحمله إطلاقا، فبالرغم من ما تواجهه بلادكم الغالية من تحديات قاسية و مشاكل مصيرية نرى منكم و من اللفيف الوزاري الموقر الحالي ملحمة صمود و عطاء و تضحية و بذل تثلج القلب و الوجدان و تزرع الامل الدافئ بالنفوس المتألمة و تشعل اهازيج الفرح الرائعة بداخلنا و خصوصا بعد ما رأيناه من الآلآم و والويلات المرعبة...نراكم تجاهدون الجهاد الحسن بإعادة ما دمره السلف الحاقد بعد ثورة 25 يناير و الذي ما عرف قيمة مصر أم الدنيا إطلاقا...فنتعلم منكم درسا راقيا بالوطنية و العمل الدؤوب و الإصرار و العزم القوي لبناء دولتكم العزيزة على قلوبنا جميعا من جديد، نراكم عازمين بالسير قدما بإرادة العظماء الصلبة لمداوات جروح بلادكم و النهوض بها الى أمجادها السالفة التي عهدناها و التي لم نقبل لها يوم أن تكون أقل شأن من أمجاد أي بلد متقدم و متحضر حتى بالعالم الغربي الذي يغالي بديمقراطيته و حضاراته العريقة...فاليشهد الله أن مصر و إن تألمت فألمها يغرس في نفسنا المرارة بعينيها و يحرك في نفوسنا العزيمة لبذل الغالي و النفيس لها لكي تُشْفَى من مصابها...فلو كان ثمن شفائها دماءنا لبذلنا لها الدم دواءا...هذه مَعَزًة مصر عندنا جميعا،   
لي هذه الخبرة مع حادثة شبيهة بحادثة تعذيب الأطفال بالهرم الآخيرة أضعها بين يديكم، فصدمة هذا الخبر المؤلم و خبرة شخصية مررت بها هي الدوافع التي جعلتني أكتب هذه الأسطر، و الله و لي القصد اولا و أخيرا، و تتضمن هذه الأسطر ايضا راي شخصي لعله متواضع بجانب خبراتكم بالوزارة الكبيرة و العريقة و لكن قلمي مسخر للقضايا الإنسانية لذا أرجو أن تتقبلوه مني بصدر رحب، كنت أعمل بفندق من الفنادق الفاخرة من فئة الخمسة نجوم في بلد من البلدان العربية منذ بضعة سنين، و أذكر تماما كم كنت مسرورا بأجواء العمل حيث كنت في وسط برنامج تدريب مهني مكثف يتضمن جولة على كافة أقسام خدمة الزبائن في الفندق، و في يوم من الايام أخذني برنامجي اليومي الى قسم الطعام و الشراب و بالذات الى قسم "room service"، و تعرفت على زملاء لي بهذا القسم الذي غالبا ما يشهد حركة كبيرة بسبب طلبات الطعام لغرف الزبائن، كانوا من أصحاب الخبرات الكبيرة بمجال عملهم و كانوا حينها يقومون بتدريبي بصورة جيدة على طريقة تحضير الصواني التي ستصعد الى الغرف بحسب الإجراءات المتبعة في هذا الفندق العريق و الفاخر، و كان بينا شاب يبلغ العشرين ربيعا من العمر لا أكثر، و كان من الشباب المستجدين بهذا القسم حيث كان يدربه المشرفين على أصول العمل، و علمت أنه يتيم و ينحدر من قرية لها أفرع و لها اسمها بالوطن العربي تعنا بالأيتام بالكامل، و عند بلوغ الأيتام السن القانوني الذي يسمح لهم بالعمل كانت هذه المؤسسة ترسلهم و بعد اتمام دراسة الثانوية للعمل بمؤسسات مختلفة لكي يصبحوا قادرين على الإنتاج بسوق العمل، فَسُرِرْتُ من قلبي لأن هذا الشاب بظروف نشأته القاسية بيننا يتعلم اصول الشغل...و لكن حدث اللامعقول معه، فاذكر هذه الحادثة جيدا لأنها ألمتني كثيرا...بل صعقت حينما علمت أمر يتعلق به، 
في يوم من الايام اعطا المشرف هذا الشاب أمرا لينفذه، و غاب بعدها ليقوم بإصال طلب الى غرفة من غرف الفندق، و مضت خمسة دقائق لاحظت خلالها هذا الشاب لا يلبي أوأمر المدير، فحينما عاد غضب المدير من تقاعس الشاب عن تلبية أوأمره، فطلب منه أن يلحق به، فأخذه الى زاوية من زواية غرفة اعداد الطعام و قام بضربه عدة صفعات على جسده و وجهه و رقبته؟! حينما رأيت هذا المنظر صعقت كثيرا فكان عقاب بدني حازم، بعد هذه الحادثة بكى هذا الشاب و قام بتلبية أوأمر الميدر و الدمع بعينه...حزنت كثيرا عليه و سألت مديره عن لماذا يعامله بهذه الطريقة فأجابني أن هذا الشاب تعود أن لا يلبي الأوامر إلا بعد الضرب و الصفع، 
بدافع الفضول قمت بسؤال الشاب بعد عودته من واجبه عن لماذا يتحمل هذه المعاملة من مدرائه فقال لي أن والدته (بالتبني) التي ربته في دار الأيتام كانت تضربه بالعصا في الماضي حينما كان يُخْطِئْ بمحاولة منها لتهذيبه، فتبين لي أنه ضحية طريقة تقليدية للتربية عَبَرَ عنها مجتمعنا منذ زمن، ربما فعلت هذا الأمر بحسن نية و استخدمت هذه الطريقة لكي تعلمه الأدب وقت العقاب...لا أعلم...و لكن كانت النتيجة أنها تركت أثارا نفسية سيئة جدا عليه، هنالك الكثير من الأسر بأيامنا هذه تؤمن أن العقاب البدني وسيلة سيئة جدا للتربية، و لكن في هذه القرى حيث لها ظروف خاصة جدا مازالت تستخدم طرق تقليدية جدا للضبط و آظن أن السبب يكمن بالجهل و اللامبالاة، و هذه معادلة خطرة جدا يجب مراعاتها مثلها مثل جرائم التعذيب كالتي حدثت بالهرم مؤخرا، فالعاطفة الطبيعية التي تربط الأب او الأم بالإبن غير موجودة بتلك القرى لذلك قد يشعر المربي او المدير المسؤول عن الدار باللامبالاة تجاه الأطفال...لا يشعر مع آلآمهم و هم جياع او و هم مرضى أو متألمين فالنتيجة تكون جرائم بشعة بحقهم و طفولة تنقصها العاطفة التي تبني بداخلهم الشخصية الموزونة و المشاعر التي تستنزفها الجراح النفسية القاسية، لا أرى فرق بين ظروف هذا الشاب الذي كان يعمل معي في الفندق و بين هذا الوحش الذي عذب الأطفال بدار الأيتام بمنطقة الهرم فالضرب بغير شفقة هو من سمات البربر و حتى إن كان بحسن نية...هؤلاء الأطفال متروكين لضمير أهالي يتبنوهم و الضمير فقط هو الرادع لكي لا يتعرضوا للأذية فالمشكلة تكمن إذا كان الضمير غائب عن الوعي...،
هنالك حل من الممكن أن يساهم في الحد من ظاهرة العنف، و هو أن تمارس وزارة التضامن الإجتماعي بالتعاون مع الجهات المعنية حملات تفتيش فجائية على هذه الدور فهذه السياسة ستسبب الأرق لأي طرف يقصر مع الأتيام بتلك الدور، فأظن أن الضبط و الربط سيزيد مع الحزم الإداري من الوزارة من هذا النوع و سيجعل مَنْ يرتكب هذه المعاصي يهاب من اي تقصير فهو بالنهاية لن يعلم متى ستأتي هذه اللجان لتفقد احوال شؤون المؤسسة الذي يديرها، و أناشد هنا الضمير الغائب المستتر للمسؤلين العاملين بدور الأيتام بضرورة أن تكون الثقافة و الوعي سيد الموقف و مخافة الله...فالأيتام بالديانات السماوية أمانة بين يدي من يتبناهم فعين الله لا تنام سبحانه و تعالى، فإن أخفيتم اية جرائم من أمام المسؤولين بالوزارة فلن تستطيعوا اخفائها عن عين الله الساهرة، فالله بغياب الأهل الطبيعين لهؤلاء الايتام يصبح هو الرازق لهم و الحنون عليهم و ما المربي بهذه الحالة سوى حافظ للأمانة فإذا قصر معهم سيحاسبه الله مباشرة على قلة الضمير...، كما أظن أن الموضوع أعمق من هذا، فمن الواضح أن هذا الشخص الذي قام بضرب الأطفال بالدار بالهرم لا يفقه شيئ بإدراة شؤون دار الايتام فمن الذي عينه في وظيفته؟ كيف تمت تقيم أوراق تعينه و كفاءاته المهنية؟ فالذي عَيًنَهُ يجب أن يتحمل المسؤويلة معه فالتعين من دون كفاءات و اختبارات هو جريمة كبرى بعينها، فهل خضع هذا المدير للإختبارات المناسبة؟ هل من الضروري بعد هذه الحادثة أن يتم إخضاع مربيين الدور الى الطب النفسي للتأكد من خلوهم من اية ميول عدوانية؟ أنتم بالوزارة لا تستطيعوا تَعْيِنْ شرطي فوق كتف كل مدير لكي تراقبوه إن كان يقوم بواجباته بكل اقتدار لذلك يتعين على المدراء و المربيين أن يملكوا الضمير و الكفاءات المهنية الكافية و أن يخضعوا لإختبارات مكثفة لكي ينجحوا بها، 
بالنهاية ربما سيقول لي البعض الذي يقراء هذه الأسطر ما شأنكم و شأن هذه القضية، فسأجيب هذا التساؤل بأن كثرة الناس بالمجتمع التي تدير ظهرها للمشاكل بمنتهى اللامبالاة سببت الكوارث بشارعنا العربي، فإذا امتلك الفرد خبرة ايجابية قد تساهم بحل مشكلة فمن الضمير الحي ان أضعها تحت تصرف المسؤلين و الرأي العام حفاظا على سلام مجتمعنا، فهذا ما يرضى عنه الله...فلا أطلب إرضاء البشر من وراء هذه الكلمات بل أطلب رضى الله سبحانه و تعالى،  
واقبلوا فائق الإحترام و التقدير، 

CONVERSATION

0 comments: