الوجود.. الكتابة.. الجحيم/ أسعد البصري

مهما فعلت فأنت إنسان محدود الوجود ، تعيش في مكان و زمان واحد . تكون في غرفة النوم لأنك غير موجود في المقهى ، في استراليا لأنك غير موجود في كندا ، في القرن الواحد والعشرين لأنك غير موجود في القرون القادمة . لا يوجد أي أمل ، الإنسان محدود جداً من الناحية الوجودية . ربما هناك أمل طفيف واحد ، للأرواح القلقة هو الكتابة .

يمكن لكاتب سيدهارتا مثلا أن يوجد في قرون و أماكن لا متناهية في اللحظة الواحدة . إن الله أكثر وجوداً منك ، ليس لأنه خلق الوجود فقط ، بل لأنه كتب القران
. هذا الكتاب أكثر وجوداً من أي مخلوق أو كاتب آخر . الكتاب ليس مخلوقاً أصلاً ، إنه هو ( الله ) . حين يقول عليّ بن أبي طالب بأنه هو ( القرآن الناطق ) ، هذه العبارة حقاً تعني وإن لم يقصد بأنه ( هو الله ) ، ولا ألوم الفرق التي تصورت ذلك .

هناك عبارات كثيرة ( محيرة ) كالتي اقتنصها جبران خليل جبران حين قال بأن نبي العرب يؤكد عقيدة التناسخ : (( وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )) . الكتابة تميتكم فتحييكم ، ثم تميتكم ثم تحييكم . مهما كانت الطريقة التي تعيش بها ، والطريق المتبعة ، مهما كانت الخطوات مدروسة والإحتياطات متخذة . مهما كان عدد الصور ، والرحلات ، والمغامرات ، والخطط . و مهما كان عدد بيوتك و أطفالك و علاقاتك . تجولت حول العالم ، أم نمت في حفرة ، سواء عشت كما عاش ألفيس بريسلي ، أو صدام حسين ، أو الجواهري . ستشعر في النهاية بأنك مخدوع . ثمت شيء ما خدعك ، سيطر على حياتك كلها ، وبالرغم من كل شيء ، تكتشف بأن الشيء الوحيد الذي كان عليك القيام به لم يكن راجعاً إليك . وهو الظهور في هذا الوجود المريض . الإنسان مخلوق مريض بعيد عن الطبيعة . يكتشف أشياء كل يوم ، تزيده مرضاً وانقراضاً . كاميرات ليراقب بها نفسه . قوانين ليتحول بها إلى سجين .

الخوف / الكآبة / القلق / العزلة / الشك . إن انشغال الشرق بالخبز ، والموت ، في الشوارع ، والعنف الديني ، طردهم من المشاركة بأي تساؤل فلسفي محترم . ما أراه على مد البصر هو إنسان ذاهب إلى الجحيم . جحيم الفتاة الفخورة بجلدها و جمالها الزائل . الجمال زائل ، والمرآة باقية . ذاكرة الخداع المستمر لكوكب ابراهيم الآفل . لقد ظهر أنبياء بسبب الآلام ، كما ظهرت المراهم بسبب الجراح . أما أولئك الذين لا يؤمنون بالأنبياء فقد اخترعوا : الكتابة .

CONVERSATION

0 comments: