محور تركي – إسرائيلي بقيادة أميركية ضد سورية/ نقولا ناصر

("تهدئة" جبهة الصراع العربي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بوعود أميركية جديدة لشركاء "عملية السلام" العرب شرط مسيق لتلافي خلط الأوراق الإقليمية خلطا يشتت الجهود بعيدا عن "أولوية" الولايات المتحدة في "تغيير النظام" السوري)

منذ كان "الانجاز الحقيقي الوحيد" لزيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخيرة للمنطقة هو تطبيع العلاقات التركية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، كما كتب مؤخرا سفير سريلانكا السابق في واشنطن ايرنست كوريا، بدأت تنكشف ملامح مسعى أميركي حثيث لبلورة جبهة إقليمية ضد سورية أساسها محور تركي – إسرائيلي تقوده الولايات المتحدة "من الخلف"، بما ينسجم مع مبدأ "القيادة من الخلف"، كما وصف المحللون الأميركيون استراتيجية أوباما الدولية.
وبينما يغرق الشركاء العرب في "عملية السلام" التي ترعاها واشنطن بين العرب وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي في التكهنات عن زيارة وزير الخارجية الأميريكي جون كيري الحالية للمنطقة ومساهمتها في تحريك هذه العملية، يتضح الآن أن بلورة جبهة إقليمية محورها تركي – إسرائيلي ضد سورية هو الهدف الرئيسي لجولته الثالثة في المنطقة منذ تولى منصبه، وأن "تهدئة" جبهة الصراع العربي مع دولة الاحتلال بوعود أميركية جديدة لشركاء "عملية السلام" العرب شرط مسيق لتلافي خلط الأوراق الإقليمية خلطا يسلط الأضواء ويشتت الجهود بعيدا عن "أولوية" الولايات المتحدة في "تغيير النظام" السوري، وهي الأولوية التي تبنتها قمة الدوحة العربية الأخيرة.
لقد أكد البيت الأبيض الأميركي أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أوردوغان سوف يزور واشنطن في السادس عشر من أيار / مايو المقبل، وفي السادس عشر من نيسان / ابريل الجاري سوف يستقبل أوباما ولي عهد الإمارات العربية المتحدة الأمير محمد بن زايد آل نهيان، ويستقبل في الثالث والعشرين من هذا الشهر أيضا أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. ومن الواضح أن زيارة كيري سوف تمهد لاجتماعات القمة هذه كهدف رئيسي ثان لها.
وتبدو قمة أوباما مع الملك عبد الله الثاني التي أعلن عنها في السادس والعشرين من الشهر الجاري خارج السياق الأميركي في ضوء الموقف الأردني المعلن المطالب بحل سياسي للأزمة السورية والمعارض لأي تدخل أجنبي عسكري فيها، ليكون التفسير الوحيد لها هو محاولة أميركية مكشوفة لممارسة "ضغوط متصاعدة" (الغارديان البريطانية) على الأردن لتوريطه في الجبهة الاقليمية التي تسعى واشنطن إلى إقامتها ضد سورية، خصوصا وأنه من المستبعد أن تكون العلاقات الثنائية الأميركية – الأردنية في رأس جدول اعمال قمة عبد الله الثاني – أوباما المرتقبة، فقد حظيت هذه العلاقات بما تستحقه من اهتمام خلال زيارة أوباما للعاصمة الأردنية قبل أقل من شهر فقط.
واللافت للنظر أن إدارة أوباما ليست حريصة كما يبدو على إخفاء سعيها إلى دعم المحور التركي – الإسرائيلي، فكيري خلال اجتماعه مع المسؤولين الأتراك في السابع من هذا الشهر سوف "يشجع كلا البلدين على العمل معا وتعميق عملية التطبيع" بينهما كما قالت المتحدثة بلسان الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند في الثالث من هذا الشهر، فهذا "تطور جيد جدا" كما قال السفير الأميركي السابق لدى تركيا جيمس جيفري بعد يومين ل"صوت أميركا" في تقرير قال إن جولة كيري الثالثة الجديدة سوف "تركز على العلاقات بين إسرائيل وبين تركيا"، وأنها "مصممة لتعزيز التقدم" في عملية تطبيع علاقاتهما، "نظرا للوضع الاقليمي في الوقت الراهن، ومشاكل تركيا مع العراق، ومع سورية، ومع إيران .. والربيع العربي" كما نسب التقرير للسفير جيفري القول.
لم يذكر السفير جيفري مشاكل تركيا مع روسيا أيضا، لكن ما ذكره يكفي للتذكير بعزلة تركيا الناجمة عن موقفها من الأزمة السورية التي حولت عنوان "مشاكل صفر" لسياستها الخارجية إلى تاريخ، والتي انعكست كذلك على نموها الاقتصادي الذي انخفض الى (2.2%) العام الماضي من (9.2%) عام 2010 و (8.8%) عام 2011، وهو ما يذكر أيضا بعزلة دولة الاحتلال الإسرائيلي الدولية كما ظهرت في التصويت الكاسح لدول العالم لصالح قبول فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة.
وليس من المبالغة الاستنتاج بأن التدخل الأميركي لتطبيع العلاقات بينهما قد استغل عزلة تركيا وتراجع نموها الاقتصادي للضغط عليها كي تعود إلى محورها الاقليمي الإسرائيلي وإلى القيادة الأميركية لحركتها الإقليمية، وفي هذا السياق لم يفت صحيفة هآرتس العبرية في الثالث من هذا الشهر ملاحظة "التوتر" الذي شاب العلاقات التركية الأميركية بسبب "الأزمة بين إسرائيل وبين تركيا" وملاحظة أن "أوردوغان تلقي دعوته الأولى لزيارة البيت الأبيض" بعد انفراجها فقط، وهو انفراج رفع الآن أعداد السياح الإسرائيليين لتركيا أربعة أضعاف معدلهم خلال السنوات الثلاث الماضية، مع أن التبادل التجاري بين البلدين لم يتوقف خلال "الأزمة" بل ارتفع بمعدل (30%) منذ عام 2010 على ذمة الصحيفة الاقتصادية العبرية "غلوبز" في الخامس من هذا الشهر.
إن مدير "المنظمة الدولية للأبحاث الاستراتيجية" أوزديم سانبرك، الذي مثل تركيا في لجنة الأمم المتحدة التي حققت في الجريمة الإسرائيلية على متن سفينة مرمرة قبل ثلاث سنوات، اعتبر تطبيع علاقات بلاده مع دولة الاحتلال "منعطفا" وحث على سرعة تبادل السفراء بينهما.
لكن ما كتبه وزير شؤون الاتصال والإعلام الأردني السابق سميح المعايطة في القدس العربي يوم الجمعة الماضي يوحي بأن "ازمة" العلاقات التركية – الإسرائيلية التي انفرجت الآن كانت مجرد أزمة عابرة في علاقات استراتيجية أعادها الرئيس الأميركي إلى مجاريها الطبيعية فحسب "بعد اعتذار (اسرائيلي) لم يكن غيابه مؤثرا خلال العامين الأخيرين على التحالف العسكري بين تركيا وكيان الاحتلال"، ف"تركيا تحت حكم التيار الاسلامي" خلالهما "استثمرت الحالة الدولية، وتولت دور إحداث التوازن مع الدور الايراني في المنطقة، واستثمرت القضية الفلسطينية .. وأخذت من الدول الكبرى هامشا من الحركة لأداء هذا الدور، وها هي قبل ايام تستعيد علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل"، من دون أن يضيف المعايطة "تحت المظلة الأميركية" التي تضغط الآن لتوريط الأردن في المحور التركي – الإسرائيلي بقيادة أميركية "من الخلف" ضد سورية.
في الرابع من هذا الشهر، نشر معهد بروكينغز الأميركي على موقعه الالكتروني مقالا للمحلل التركي كمال كيريشي لاحظ فيه أنه "طوال السنوات الثلاث من التوتر" التركي – الاسرائيلي "نجح الجانبان في ترك مساحة لمبادرات المصالحة والبراغماتية" مستشهدا ب"إبقاء اتفاقية للتجارة الحرة في مكانها منذ 1996" لتستمر "التجارة بين البلدين في النمو بعد أزمة سنة 2010 بمعدل أعلى حتى من معدل التجارة بين تركيا وبين الاتحاد الأوروبي"، وليستنتج كيريشي بأن "الأكثر أهمية هو أن الاعتذار (الاسرائيلي) سوف يفتح الطريق بالتأكيد لتعاون أوثق بين الولايات المتحدة وبين تركيا" أيضا، تعاونا "من المحتمل أن يغير المعادلة في سورية وغيرها من المشاكل الاقليمية". 
* كاتب عربي من فلسطين  
* nassernicola@ymail.com

CONVERSATION

0 comments: