أن تكون مضطهدا يعني أن تتكلم في عالم صامت..!؟/ عبد الكـريم عليــان

لا تشتكي يا غزة!؟

لقد تخلى عنك...

المقاومون والمؤمنون،

وباتوا يتاجرون

بما تبقى لديك من الصبر

والكرامة..

بدلا من الخيول والبغال، صاروا يركبون

السيارات الفارهة..

وبدلا من محاربة العدو، صاروا يحاربون

من ليس في سربهم..

وبدلا من حراسة الثغور، صاروا يحرسون

من لا يحتاج للحراسة..

وبدلا من إطعام الفقراء، تضخمت كروش الأغنياء

وآسفاه..! يا غزة

ليس لشكواك إلا البحر

فهو القادر على سماعك

وعلى شاطئه تستكين نجواك..

السلطة الفلسطينية بين شهر وآخر تعلن عن أزمة مالية، وليس بمقدورها صرف رواتب الموظفين.. الأونروا العاملة في أراضي السلطة الفلسطينية كذلك، بين الفينة والأخرى تعلن أنها تمر بأزمة مالية ولا يمكنها تغطية نشاطاتها الإنسانية، ولقد طال ذلك النشاطات التعليمية، وتقليص واسع في الإغاثة الطارئة وإغاثة الحالات المعدمة.. بينما حكومة غزة المجهبذة تغطي الشمس بغربال، ويتباهى زعماؤها بأن حكومتهم المحاصرة ليس عليها أية ديون لأحد.. حسب كلام السيد هنية مؤخرا أمام تجمع أعضاء جمعية المحاسبين في غزة.. قد يكون كلام السيد هنية صحيحا، لكن ذلك يؤكد أن حكومته لا تهتم بالمواطن الغزي الذي وصل صراخه وعويله لكل أصقاع الأرض، إن كان ذلك من البطالة المستفحلة والتي لا يمكن علاجها أو الحد منها، أو كان ذلك من الفقر والجوع لعائلات كثيرة، أو من الوضع الصحي، أو التعليمي، أو من عدم توفير المواد الأساسية للحياة ممثلا في الطاقة الكهربائية وما تبعها من أزمات في شتى مناحي الحياة، كذلك عدم توفر المحروقات كالسولار والبنزين والنفط وغاز الطهي مما أدى إلى شلل شبه شامل للحياة الاقتصادية والاجتماعية في كافة محافظات غزة..

بالطبع لا يمكن لأي كاتب كان..! أو لأي تلفزيون كان..، أو أية وسيلة إعلامية مهما كانت قوتها رصد لكل حالات المعاناة والقسوة والضنك التي يعيشها أهالي غزة الصابرين، ومهما نقلت هذه الوسائل أو تلك من حالات.. يبقى وسيبقى الكثير جدا مما لا يمكن الوصول إليه، ويبقى أيضا ما لا يمكن الحديث عنه ونقله سواء على صعيد خصوصيات الفرد والأسرة الفلسطينية، أو عموميات كثيرة يصعب الحديث عنها حتى من ذوي التخصص.. ووصل الأمر عند بعض مشايخ غزة إلى تحريم الحديث والكلام في الأمور السالفة.. من منطلق "قلة الصبر..؟ وإطاعة أولي الأمر.." وكأن هؤلاء المشايخ لا يعرفون تراث أبو ذر الغفاري ـ رضي عنه ـ ولم يسمعوا بإغاثة " وا معتصماه "، ولم يقرؤوا عن المسلمين حينما قالوا للفاروق ـ رضي الله عنه: " لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا..". وإلى ما غير ذلك من المعاناة انتشر مؤخرا في غزة ظواهر غريبة ترعب الناس وتخيفهم بدء ببطش السلطة وأجهزتها القمعية.. وانتهاء بعدم توفير الأمن والأمان للمواطنين خصوصا الأطفال، كان آخرها العثور على جثة الطفل "أحمد طنبورة" من شمال غزة، بعد فقدانه لأكثر من شهر.. إضافة إلى فرض الضرائب والجمارك.. كيف يمكن أن نفهم بأن حكومة المقاومة تجبي ضرائب من شعب محاصر، وتطلب منه الصبر والمقاومة؟؟ وكيف يفهم العالم المتضامن مع شعب غزة عندما يقدمون له المساعدات بأن حكومته تجبي الضرائب منه؟ وربما تجبي ضرائب على المساعدات أيضا ؟ ولا نعرف مدى دقة ما قيل على لسان أحد القيادات المصرية بأن مصر على استعداد لمد قطاع غزة بما يلزمه من الوقود بشرط أن يباع للمستهلك في غزة كما يباع في مصر؟؟ (البنزين والسولار المصري المهرب من الأنفاق كان يباع في غزة بأربعة أضعاف مما يباع في مصر حيث تجبي حكومة غزة ثلاثة أضاعف منه، أما الآن فيباع في غزة على أنه إسرائيلي، وهذا يعني: أنهم يجبون عشرة أضعاف.!)

الحصار الذي فرض على غزة بدأ على أثر اختطاف الجندي الإسرائيلي في حزيران من العام 2006، وبعدها بسنة تقريبا، قامت حركة حماس بانقلاب عسكري على السلطة وتفردت بحكم غزة إلى وقتنا الحاضر، وبات الشعب الفلسطيني مقسوما إلى شقين، الضفة الغربية وفيها الحكومة الشرعية، وقطاع غزة ويحكمه من يتغنى بالإسلام وبالمقاومة..؟ وبهاتين العقيدتين تداهن حركة حماس عقول الناس وأفئدتهم.. ووصل بها الأمر لتحويل الهزائم إلى انتصارات كاذبة.. حرب (الرصاص المصبوب) أو حرب (الفرقان) كما تسميها حركة حماس، تلك الحرب التي وقعت في كانون الثاني من العام 2008، ودفعت غزة على أثرها ثمنا باهظا في الأنفس والحجر والشجر، ووصل الجيش الإسرائيلي إلى عمق غزة.. وكما قال وزير حربها آنذاك: "بأن جيشه على بعد أمتار من القضاء على حكومة حماس في غزة.. إلا أن الساسة الإسرائيلية ترفض ذلك.." نستطيع القول بأن الهدف السياسي من وراء ذلك، كان إبقاء الانقسام الفلسطيني مستمرا أكبر فترة ممكنة، كما تأكد ذلك للجميع الآن..! ويؤكد أن إسرائيل هي المستفيد الأول من الانقسام الفلسطيني كما عبر عن ذلك معظم قادتها، إلى حد التهديد إذا ما تم الصلح الفلسطيني، ويخطئ من يعتقد أن التهديد كان موجها فقط للشرعية الفلسطينية بقطع المستحقات من الضرائب وفرض الحصار.. بل التهديد الأخطر والغير معلن كان لقيادة حماس في غزة إذا ما تم الصلح بين الطرفين.. وأيضا إسرائيل قد وجهت هذا الإنذار أكثر من مرة لقيادة حماس عندما كانت تطلب منها وقف إطلاق الصواريخ التي كانت تطلقها حركة الجهاد الإسلامي وتنظيمات أخرى من غزة، وإلا ماذا نفسر صمت حماس مؤخرا..؟ بعد اغتيال "أبو إبراهيم القيسي" وصاحبه "محمود حنني" الأسير المحرر المبعد إلى غزة، وما جرى بعدها من ردات الفعل وإطلاق الصواريخ، ودفعت غزة ما يقارب الثلاثين شهيدا في برهة ثلاثة أيام.. بالمناسبة إسرائيل في نشراتها بالعبرية لا تسميها (صواريخ)؟؟ بل تطلق عليها اسم (قذائف ـ بالعبرية: ركيتوت)، لكنها تسوقها للعالم بأنها صواريخ..؟

المهم أن غزة بعد شاليط (الجندي الإسرائيلي المعتقل في غزة) اشتد الحصار عليها وتراكمت أزماتها إلى أن فقدت مقومات الحياة.. وقبل ثلاثة أشهر جرى اتفاقا أو (صفقة) بين حماس وإسرائيل بوساطة مصرية لتسليم الجندي مقابل إطلاق إسرائيل لصراح ألفا وسبعة وعشرين فلسطينيا.. تلك الصفقة التي نفذت واعتبرتها حركة حماس نصرا كبيرا.. وطبلت لها وزمرت، وأقامت الأعراس في شوارع غزة المقهورة وكأنها حررت كل فلسطين..؟! فرح قصير لتستفيق بعده غزة على أزماتها.. ويغتال فيها أول أسير مبعد إليها.. ويحق لنا التساؤل: إذا كان الحصار، والحرب فرضا على غزة التي اكتوت بنيرانهما من أجل شاليط.. فلماذا لم يكن عنوان الصفقة هو: "فك الحصار" وإذا ما تم الإفراج عن ألف أسير فهل، توقف الأسر فيما بعد؟؟ كم أسيرا جديدا دخلوا السجون الإسرائيلية بعد الصفقة؟؟ وهل ستتوقف إسرائيل عن سجن الفلسطيني؟ كيف تغنون لأسرى خرجوا من سجن ليدخلوا سجنا جديدا أسمه غزة.. وكيف تقبلون بأن تصبح غزة منفى جديدا لأهلنا من الضفة..؟؟ والآن.! أليس حريا بكم يا (قادة الأمة) أن تتركوا غزة لمن هو قادر على لملمة جراحها والسمو بها إلى مصاف الرقي والتقدم.. اهدئي يا غزة واطمئني.. فلن يطول الظلام.. ولن يطول الظلم.. وسيشرق عليك نور وتنوير جديدان..

CONVERSATION

0 comments: