الموارنة هم الجنس العاطل... ولكن في السياسة فقط/ بطرس عنداري

ليس هذا المقال ردّاً او تعليقاً على اي كلام نسب الى مسؤولين سياسيين. وليس كلامنا هنا اكثر من قراءة استعراضية لحالة لبنانية رافقت نشوء الكيان اللبناني منذ مئات السنين وتحولت الى قوّة فرضت نفسها رغم العثرات والاخطاء التي لا تنتهي ورغم الاعاصير الداخلية والاقليمية والدولية. فهل بالامكان ان نتصوّر مشرقاً عربياً بدون لبنان؟
وهل بالامكان ان نتصوّر لبنان بدون موارنة؟ ... وهل بالامكان ان نتحدّث عن نهضة وتحديث وحضارة دون ان تتصدّر قائمتنا البساتنة وجبران والريحاني وكوكبة الأدباء والمشرّعين والشعراء والمؤسسات التربوية التي شكلت جسراً الى عالم الريادة العلمية والثقافية..؟
الى جانب هذا تسلّم الموارنة الواجهة الرئيسية لادارة لبنان والتحكّم بشؤونه وشكلوا حالة سياسية اتسمت بالمشاكسة والصراع المرير على السلطة داخل قيادات الطائفة بدأت عام 1920 بين حبيب باشا السعد ويوسف الخازن وانتقلت الى اميل اده وبشارة الخوري ومنهم الى كميل شمعون، فؤاد شهاب، ريمون اده، حميد وسليمان فرنجيه وبيار الجميل وانتهاء بما نشاهده حالياً من حالة مارونية لا يعترف فيها الصغير بالكبير ولا الضعيف بالقوي.
من معجزات الموارنة اختراعهم لأقوى حزبين سياسيين عرفهما لبنان بالممارسة وليس بالاسم الفعلي: الحزب الاول هو حزب «النكاية»، والحزب الثاني هو حزب «عنزة ولو طارت». كان الاديب الكبير مارون عبود يقول قبل اكثر من 70 عاماً ان الموارنة عاشوا طوال قرون كمجتمع حرب بزعامة بطاركتهم واكثر حروبهم كانت ضدّ بعضهم..
وهنا لا بدّ من شكر العناية على عدم وجود اسلحة نارية واوتوماتيكية في تلك الازمنة الغابرة والاّ كان عدد الموارنة تقلّص وحرم العالم من انتشار عشرة ملايين ماروني على امتداد القارات الخمس مؤسسين لنواة عالم ماروني يحلم رواده بتعميق العلاقة مع لبنان كوطن الآباء والاجداد وليس كارض ميعاد.
ومن معجزات المارونية الحديثة الراهنة هو فرض معركة انتخابية في لبنان هزت العالم باسره.. لقد هزت العالم دون مبالغة لأن من يهزّ البيت الابيض ويجبر نائب رئيس حاكمة العالم على الهرولة الى بيروت ليعظ في كيفية كسب الاصوات يعني انه هزّ العالم بأسره وليس البيت الابيض وقصر الاليزيه فقط..
وقيل ان بايدن طالب بلقاء خاص مع رؤساء البلديات والمخاتير ولكن وقت الزيارة لم يسمح بذلك. ومن الخوارق والمعجزات تمكّن الموارنة من خوض انتخابات مثيرة تجاوزت كلفتها المليار ونصف المليار دولار دون ان يدفعوا من هذه المليارات اكثر من نسبة واحد بالألف وربما بالمليون.
وعن الاشارات الاخيرة التي تتردد عن الانعزال والانعزالية اذكر جلسة في دار السفارة اللبنانية في بغداد قبل 30 عاماً بضيافة السفير الكبير المرحوم سهيل شماس المتشدّد بلبنانيته والذي قال مخاطباً الحضور وبينهم وزراء وسفراء ومسؤولين عرب: «من العار ان يشار بعبارة انعزال او انعزالي الى الموارنة لأن هؤلاء يهاجرون من قرى نائية شبه اميين وسرعان ما تراهم اصحاب ثروات ومقربين من الحكام وترى ابناءهم في اعلى المناصب..
كيف يتهم بالانعزال ذلك الذي يتعايش بانسجام مع سكان مجاهل افريقيا وادغال الأمازون وصولاً الى ثلوج الاسكا والقطب الشمالي». وبعد سهيل شماس تحدث سفيران عربيان عن تجربتهما في اميركا اللاتينية والوسطى مع المهاجرين اللبنانيين والموارنة وكيف يتعايشون مع السكان والسلطات المحلية وكأنهم اهل البلاد بفرض احترامهم.. وانهى السفير الكبير سهيل حديثه بنكتة: «لا تفكروا اني ماروني، انا ارثوذكسي متعصّب وعروبي ولكني اشهد للحق».
لم يعد الموارنة بحاجة الى شهادات اثبات لهويتهم العربية بعدما كرّس سيّد بكركي هذه العروبة لهم ولسائر اللبنانيين بعدة عبارات عشية الانتخابات الاخيرة مختزلاً نضالات العروبيين الفاشلين - مثلنا - محققاً بثلاث كلمات ما فشلنا عن تحقيقه في خمسين سنة اضافة الى كفاح اسلافنا من اجل اشارة الى هوية لبنان العربية.
لم يجرؤ حتى رياض الصح احد ابطال لبنان المستقل ان يسجّل في ميثاق 1943 اكثر من عبارة «لبنان ذو وجه عربي» ، فاذا بصاحب الغبطة يحل هذه العقدة التاريخية ببيان انتخابي عابر. ولم يعد الموارنة خائفين على مصيرهم وتهجيرهم بعدما زالت اخطار نواب كسروان بمعجزة قدسيّة خارقة حيث كان الابناء الضالون يخططون لتنصيب السيّد حسن على قمّة حريصا. والضالون المهتدون هم نعمة الله ابي نصر، فريد الخازن، يوسف خليل وجيلبرت زوين مع قائدهم «لغريب».
كان احد رجال الدين البارزين الذين ترددوا على استراليا اكثر من مرة يقول لنا: لا يعرف اهميّة الموارنة سوى غير الموارنة.. وكنا نسخر من هذه «الأهمية» الوهمية. ولكنه قال لي شخصياً: لو لم تكن مارونياً لما تجرأت على كتابة ما تكتبه..، لقد تذكرت هذا الكلام بعد سنوات طويلة وبعدما قرأت مقال الاستاذ ادمون صعب في النهار اللبنانية عن المصالحة المارونية - الشيعية بتاريخ 10 تموز الجاري والذي نشرته «التلغراف» محلياً بتاريخ 13/7/2009.
هل قدر الموارنة ان يكونوا قادة المجازفات فيتهمون بالهوس وعدم التعقّل قبل ان يعي الآخرون انهم على حقّ وتسبغ عليهم ألقاب الجرأة والبطولة وحبّ الحرية والسيادة. من ميزات الجنس العاطل التهرّب من السواحل والسهول واللجوء الى وعورة الجبال وحفر التراب بالاظافر لزراعة الحنطة والكرمة والتعايش مع احلام ريادة العالم التي تحولت الى حقائق لا يعيها اصحابها وهنا المفارقة.
وعند الحديث عن الموارنة والمارونية لا يسعنا الاّ ان نذكر عظماء الكنيسة المارونية الثلاثة في القرن العشرين: البطريرك الياس الحويك والد لبنان الكبير وابوي الانفتاح والحوار والفكر العالمي يواكيم مبارك وميشال الحايك.
وهنا نخرج من نكتة الجنس العاطل الى الجدية والواقع. وفي نهاية كلمتنا نرى من الضروري تسجيل ملاحظات المعترضين على ما نقوله في مجال الفوضوية السياسية لدى المارونية حيث يقولون ان اصطفاف الموارنة جبهة واحدة يفقد الديمقراطية نكهتها واهميتها وكانت الانتخابات الاخيرة جرت معلبة وكأنها في احدى المشيخات او الامارات المصطنعة، ويجب ان يفاخر الموارنة بفرادتهم في اشغال العالم بانتخاباتهم.

CONVERSATION

0 comments: