في الذكرى الأربعين لنياحة قداسة البابا/ أنطوني ولسن

المؤتمر الأسلامي العالمي الخامس عشر
[ هذا المقال كتبته بتاريخ 17 مايو عام 2003 ونشر بجريدة " المستقبل " بأستراليا وموثق بكتاب " المغترب " الجزء الخامس والذي أصدرته في عام 2004 ، و قد رأيت أن أعيد نشره في ذكرى الأربعين لرحيل مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث الغائب بالجسد الموجود بالروح بما قدمه لمصروالإنسانية في ذكرى تأبينه. ]
الصدفة وحدها هي التي أتاحت لي فرصة مشاهدة وسماع معظم خطاب قداسة البابا المعظم شنودة الثالث . وخطاب فضيلة الشيخ " الراحل " الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف ، اللذين ألقياهما في المؤتمر الأسلامي الخامس عشر ، الذي عقد في القاهرة صباح يوم الجمعة التاسع من شهر آيار / مايو الجاري .
كنت أتجول بين الفضائيات العربية أبحث لروحي الهائمة غير المستقرة ، عن فكر أو أيدلوجية تصلح لنا نحن أبناء الشرق الأوسط الضائعين بين مختلف ألوان ومذاهب وأيدلوجيات العقائد الدينية والسياسية .
لذا سعدت جداً عندما رأيت بابا الأقباط في مصر يجلس وسط علماء المسلمين وفقهائهم في مؤتمر يحمل اسم مستقبل الأمة الأسلامية .
بل نجد قداسة البابا يلقي خطاباً ينير فيه الطريق امام مستقبل الأمة الأسلامية . وهذه ظاهرة . على قدر معرفتي . فريدة من نوعها لم تحدث من قبل . وعن نفسي لن أتساءل عن سبب حدوثها ، أو أسباب حدوثها ، وإنما أشكر الله على أن الأمة الأسلامية قد بدأت تستيقظ بعد سبات عميق وتعي أهمية الأستماع إلى الرأي الآخر . وعدم تهميش رأي أبناء الوطن الواحد بسبب دين أو عقيدة أو جنس أو لون .
وأخشى ما أخشاه أن يكون هذا الأستيقاظ ما هو إلا أستيقاظ أهل الكهف الذين يجدون أنفسهم يعيشون عصراً يختلف اختلافاً كلياً عن عصرهم فيفضلون العودة الى سباتهم خشية أفتضاح أمرهم .
أو أن يكون هذا الأستيقاظ لشيء في نفوسهم يُظهر غير ما يبطن في قلوبهم وأفئدتهم وأفكارهم تجاه الغير المخالف لهم في الرأي أو الفكر ، خاصة الدين . " وكأني كنت أتنبأ بما سيحدث تحت مسمى الربيع العربي بالعالم العربي عامة ومصر خاصة " .
مما تحمله الذاكرة لما قاله قداسة البابا أنه طالب المجلس الموقر بالتفكير في حاضر الأمة الأسلامية أيضاً ، وليس في مستقبلها فقط . فحاضرها هو الذي سيبني عليه مستقبلها .وشدد قداسته على ضرورة معرفة ماذا يعمل الغير مستشهدا بالعديد من أعمال اليهود قبل تكوين دولتهم وبعدها .
كما أكد قداسته على ضرورة وجود لوبي عربي في الدول الغربية . وتشجيع أبنائنا في الخارج الذين يتمتعون بحق الجنسية في الدول التي يعيشون فيها على الترشح للمجالس النيابية التي تعطيهم حق المشاركة في صنع القرار السياسي لهذه الدول .
ومما يدل على مدى عمق اهتمام قداسته بشؤون وشجون المنطقة ما أوضحه قداسته للمجتمعين من أن العالم قائم على شيئين .. القوة .. والمنفعة . وأهمية القوة والمنفعة تأتي من تضامن مصالح الشعوب العربية في التداول فيما بينها بالمنتجات التي تغنيهم عن المنتجات الأجنبية. وأن يكون انتاجهم نافعاً حتى يحترمهم الغير . وان يقل الأستيراد ويزداد التصدير.
" هذا ينم على أن قداسة البابا مثلث الرحمات ليس فقط رجل دين ، بل على أنه رجل سياسة وإقتصاد من الدرجة الأولى " .
أما فضيلة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي " رحمه الله " شيخ الأزهر الشريف ، فقد بدأ كلمته هادئاً مشيداً بحكمة قداسة البابا شنودة الثالث . وما يربط بينهما من مودة وفكر ورحمة وليس ما يفكر فيه ضعاف النفوس من أن كل منهما يحاول أن يغير من دين الآخر . أنا لا أطلب منه أن يتحول إلى الأسلام ، ولا هو يطلب مني أن أتحول الى المسيحية . وأخذ يذكر الكثير من الموضوعات التي تناولها قداسة البابا في خطابه .
بعد ذلك إحتد صوته وعلا محتجاً على ما أسماه نفاق الأمة الأسلامية وجامعة الدول العربية . وكان تهكمه واضحاً على وزير الأعلام العراقي السابق الذي كان يدلي بشيء يخالف الواقع تماماً.بل في لحظة كان ذلك الوزير " يجعجع " وبكلمات لا نعرف قاموسها . وفجأة إختفى من على شاشة التلفزيون ونهائياً .بل يقال أنه إرتدى ملابس ... لكي تساعده على الفرار والهرب .. ( هذا ليس نصاً كلامياً لما قاله فضيلته .. بل هو إجتهاد مني لتذكر ما سمعته ) .
واضح من كلمة فضيلة الشيخ طنطاوي الغضب الشديد لما آلت إليه أحوال الأمة الأسلامية .
أما إنطباعي الشخصي لما شاهدته وسمعته على شاشة الفضائية المصرية الأولى ، والذي بثته مباشرة في ذلك اليوم ، فيتلخص في اعجابي الشديد بالرجلين .
حبي الشديد لقداسة البابا المعظم شنودة الثالث الأب الروحي للأنسانية كلها . والذي سعدت مراراً كثيرة بشرف اللقاء به والتحدث اليه وتقبيل يده ووجنتيه .
وحبي العميق أيضاً لفضيلة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف . وكم أتمنى لقاء هذا الرجل العظيم " رحمه الله " .
أعود إلى الكلمة التي ألقاها قداسة البابا . فأجد أنه لم يطلب لنفسه ولا لأبناء مصرالأقباط شيئاً على الرغم من أن لهم مطالب عديدة جداً ، وحقوقاً ضائعة ، وعدم الأعتراف بهم كمواطنين متساويين مع اخوتهم المسلمين . لأن في أصلاح الأمة الأسلامية سلام وإستقرارلشعوبها مع إختلاف دياناتهم أو معتقداتهم .
**********
قداسة البابا شنودة الثالث المثلث الرحمات إن نسيَ الناس بحكم طبيعتهم آياً من أعمالكم إن كان في مصر أو خارجها ... فلن ينسى الزمان والتاريخ ما قدمته للبشرية في جميع أنحاء العالم الغربي وبعضاً من الدول الشرق أوسطية بأنتشار الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في أجزاء كبيرة من العالم والذي دفع بوجودها الكثير من أبناء هذه الأماكن إلى العودة لمعرفة الله الحي بعد أن شردوا وبعدوا عن تعاليم الرب يسوع المسيح ، فقد أيقظت فيهم الكنائس المسيحية الشرقية إن كانت أرثوذكسية أو إنجيلية أو غير ذلك روح الإيمان المسيحي الذي كاد أن يختفي من قلوبهم لما يعانون منه من ماديات أرضية فانية .
قداسة البابا شنودة الثالث لقد جاهدتم الجهاد الحسن، أكملتم السعي، حفظتم الإيمان، وأخيرا قد وضع لكم إكليل البر ...
لقد إفتقدانكم بالجسد.. لكن بالروح أنت معنا وأعملكم تشهد .....

CONVERSATION

0 comments: