تورونتو المومس العمياء والإيمان/ اسعد البصري

إلى صديقي العزيز واصف شنون
تورونتو معناها القطارات تحت الأرض ، الجشع و وعزلة الإنسان . الوجوه الصفراء من التعب و قسوة الحجر ، المحاجر السود من الحزن والقمار والمخدرات والكحول . أرجوك تمهل . هؤلاء الذين يذهبون إلى الصلاة يستحضرون أرواحهم المفقودة في مدينة كبيرة رأسمالية قاسية ، يحاولون ولو بشكل يائس النجاة من التلوث . يحاولون تقريب المسافة بينهم و بين بعضهم ، محاولة للإحتماء والإختباء والإشراق . اليهود نفس الشيء في تورونتو خصوصا شارعهم العريق باثرست ستريت ، وكذلك البيض يلتحقون بمدارس بوذية أو الكنيسة والباقون ربما أمراض نفسية وأطباء لا يوجد خلاص جماعي هنا .
إثنان من كل ثلاثة في أمريكا و كندا يؤمنان بالله وعندهم علاقة بالدين . و واحد فقط من كل ثلاثة في أوربا يؤمن بالله هل تعرف لماذا ؟؟ . لأن الرأسمالية متوحشة جداً هنا في شمال أمريكا تحارب حتى الشعر والأدب والموسيقى . انظر البرامج الثقافية الجميلة في ال BBC مقارنة بال CNN . هل رأيت شاعرا أو رساما يتكلم في ال CNN ؟ . لهذا يلجأ الشعب إلى الإيمان .
واصف شنون
لقد كنت في جامعة رايرسون مركز و قاع مدينة تورونتو والشباب المسلم الذي يصلي في الجامعة متفوق و درجاته عالية في الهندسة والبزنس والطب والعلوم . لا أنسى صديقتي المغربية الرائعة زينب التي عرفتني على كتابات سيد قطب و شرحتها لي قبل عشر سنوات . زينب عالمة في الكومبيوتر الآن بروفيسورة كبيرة . الدين يحقق توازناً مفقوداً و ربما ضرورياً في الغربة والعزلة ؟؟.
وإذا على الإلحاد والعبث لا أعتقد بأن أحدا منكم ذهب إلى التخوم التي ذهبت إليها يوما . لكن نحن كبرنا وصرنا نتأمل و نكتشف بأننا لم نفهم ماركس و لينين أصلا . هناك مادة باللغة الإنگليزية وضعها سعدي يوسف على صفحته البارحة تقول بأن لينين ليس ضد الحركات القومية للشعوب الضعيفة المتخلفة بل يعتقد بأن ذلك يعجل بالتاريخ و شكلا من أشكال الكفاح ، هو فقط ضد الحركات القومية في العالم المتقدم لأنها هنا فقط تصبح فاشية و نازية . هذه فكرة جديدة أيضاً أليس كذلك ؟؟ . أحاول أن أفهم أيضاً ومعظم كلامي خطأ و جهل فأنا لست تروتسكي ولا سارتر . مجرد متعلم على سبيل نجاة .
جاء شاب طيب من أفريقيا اسمه إيمانويل لدراسة هندسة الكيمياء في جامعة رايرسون . سكن معي لسنتين . لم يكن أبوه الطبيب الأفريقي يستطيع إرسال المال الكافي للدراسة والطعام والسكن . كان على الفتى إيمانويل أن يدرس و يعمل و يصوم أحياناً لمساعدة نفسه و والده . الدراسة صعبة في كندا و قد تأخذ من الطالب ١٢ساعة في اليوم أحيانا . إيمانويل مسيحي كاثوليكي مؤمن بالسيد المسيح . يقتطع من وقت النوم العزيز ليصلي في الكنيسة المجاورة وحين كنت أمر بظروف صعبة كان إيمانويل يمسكني من كلتا يدي و يغلق عينيه ثم يصلي لي ويسأل السيد المسيح أن يساعدني أيضاً .
أخلاق إيمانويل أخلاق ملاك وقد ساعده السيد المسيح ، حصل على عمل داخل مكتبة الجامعة كما ساعدته الكنيسة في تعليمه و قد نجح و تخرج و تفوق وأرسل في طلب أخته لتدرس في كندا و تحمل نفقاتها لأنه بدأ العمل و حصل على الجنسية الكندية . لم أستطع إكمال تعليمي كإيمانويل و كأصدقائي المسلمين ، كنت وحيدا و غريبا لم أكن مؤمنا . لم يكن الله معي .
ولأن قلبي كان فارغا سقط أصحاب السوء في دربي ، و ملأت النساء قلبي و شغفنه بسهولة . في بلاد كلها إغراء و غواية و شيطان كنت بحاجة إلى ربي ليسير معي و يفتح لي الأبواب . كدتُ أموت بسبب ضحك الشيطان عليّ عاما بعد عام وقد تفتح المشيب في جسدي و ثقلت خطاي حتى تيبست مفاصل روحي من العزلة . صرختُ كما صرخ ذو النون في الظلمات بعد أن ذهبت مغاضباً .
لأعرف أن نداء السماء حق ، و أن بكاء الإنسان ، والله حق . وأمسكني من يدي وقال من هنا يا أسعد ، هذه هي الطريق . لن يكون لي مجد المؤمنين ك إيمانويل و صديقتي البروفيسورة زينب ، لكن سيكون لي مجد النادمين الذين دفعوا ثمن ذلك الندم بالدم .
هكذا حين يشرح الله صدري أكتب ، ماركس و لينين كالسيد المسيح يقول كازانتزاكي لأنهما مخلصان للضعفاء و عذاب البشر و قريبان من الله . لأنه سبحانه لا يمنح كل هذا التوفيق للظالمين .
الآن يمكنك قراءة (المومس العمياء ) يا أسعد
الآن فقط يمكنك أن تجلس وتحدث الناس
عن بدر شاكر السياب شاعر العراق الخالد
(( الليل يطبق مرة أخرى، فتشربه المدينه
والعابرون، إلى القرارة... مثل أغنية حزينه.
وتفتحت كأزاهر الدفلي، مصابيح الطريق،
كعيون ""ميدوزا""، تحجر كل قلب الضغينه،
وكأنها نذر تبشر أهل ""بابل"" بالحريق
من أي غاب جاء هذا الليل؟ من أي الكهوف
من أي وجر للذئاب؟
من أي عش في المقابر دف أسفع كالغراب؟
""قابيل"" أخف دم الجريمة بالأزاهر والشفوف
وبما تشاء من العطور أو ابتسامات النساء
ومن المتاجر والمقاهي وهي تنبض بالضياء
عمياء كالخفاش في وضح النهار، هي المدينة،
والليل زاد لها عماها.))

CONVERSATION

0 comments: