نظرة على مدلولات زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر/ سامح عوده

فاجأ الرئيس الفرنسي " فرنسوا هولند" الأوساط السياسية في فرنسا بنيته زيارة الجزائر  في زيارة تعتبرها الأوساط الدبلوماسية زيارة بالتاريخية ، لتضيف هذه الزيارة جدلاً في الأوساط الشعبية والرسمية في البلدين، وينقسم الرأي العام  بين مؤيد ومعارض أو متحفظ، على الزيارة التي وان وصفت بالتاريخية.. فهل ستطوي 132 عاماً من الاستيطان؟
فهذه السنوات الطويلة  خلفت أكثر من مليون شهيد ودمرت مقومات البلد،الا انها ومع ذلك حققت انجازاً بطرد الاستعمار الفرنسي لتنال الجزائر استقلالها بعد مسيرة نضال ، سطرها التاريخ بين سطوره لما قدمته الحركة الوطنية الجزائرية من تضحيات، لتصبح مثلاً تدلل على بأس الجزائريين وبسالتهم .
أما وقد انتهت الزيارة والتي أتت بعد 50 عاماً من تحرر الجزائر ، لم تكن زيارة " هولند "  إلى الجزائر هي الأولى فقد سبقها زيارةً للرئيس " جاك شيراك" في الأعوام 2003 و 2004 ، حيث استقبل بحفاوة في الجزائر، وتلتها زيارة للرئيس " نيكولا ساركوزي " العام 2007 م التي أثارت إعجاب الجزائريين إلا أن زيارته لجمعيات الحركيين – " وهم الجزائريين الذين قاتلوا إلى جانب فرنسا خلال حرب الجزائر لنيل استقلالها " -  خيبت الآمال .
وتأتي زيارة الرئيس الفرنسي الجديد " فرنسوا هولند " لتفتح عهداً جديداً بين البلدين، بالرغم من أن الزيارة كان من المفروض أن تحتوي على  " تعبير عن الندم الاعتذار " عن احتلال فرنسا للجزائر، أما وقد تمت الزيارة فان لها دلالات تاريخية بالتأكيد على التعاون بين البلدين في مجالات عدة أهمها المجال الاقتصادي والتعاون الثقافي والإعلامي، ويمكن للجزائريين البناء على هذه الزيارة واستثمارها دبلوماسياً وتوظيفها في إطار منهجي يكون مقدمة للاعتذار المطلوب..!! .
لكل من البلدين - فرنسا والجزائر-  حساباته  في استمرار التعاون بين البلدين، خاصة وأن التغيرات  التي يشهدها المحيط أصبحت أمراً واقعاً مما يتطلب مرونة في التعامل مع المتغيرات الجديدة.
الجزائريون وعلى المستوى الرسمي رحبوا بالزيارة وأظهروا نوعاً من التفاؤل خاصة وأن الرئيس الفرنسي رافقه  وفد كبير رفيع المستوى، أما على المستوى الشعبي فلا يمكن التنبؤ بمدى الرضا عن تلك الزيارة، ربما ما يمكن الاعتماد عليه هو استطلاع رأي نفذ في الجزائر وأفاد بأن 57% من الجزائريين يؤيدون علاقات نموذجية مع فرنسا، ولكن وبالرغم من كل ما يمكن أن يقال فان  للجزائر مصلحة في التعاون والتبادل التجاري مع فرنسا، بل تطوير ذلك التعاون ليكون مجدياً فيعود بالفائدة الاقتصادية والنفعية على اقتصادها،  ويجب وتطوير هذا التعاون بدبلوماسية لنيل الاعتذار احتلال الفرنسي للجزائر .
الجزائر التي تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة تحتاج لتطوير الناتج القومي وتدعيمه في بلد يعاني من تفشي البطالة وشح الموارد، خاصة وأن معظم الشباب في دول المغرب العربي ما يتوجهون لفرنسا للعمل فيها أو الهجرة إليها، كما أن الجزائر تأثرت بشكل مباشر أو غير مباشر بما يحدث في دول الجوار دول الربيع العربي..!! ولهذا فان تعاون مشترك بين البلدين يمكن أن يعود بالفائدة في تحسين آفاق التعاون الاقتصادي والتكنولوجي بينهما، نتيجة للمتغيرات المحيطة بالبلدين، وتطوير ذلك التعاون الموجود أصلاً بينهما .
أما الرئيس الفرنسي الذي يسعى بدبلوماسيته الى تطوير آفاق التعاون ليعيد للجمهورية الفرنسية دورها الطليعي، ومع ذلك فهو يحظى بشعبية واسعة في بلده يسعى إلى فتح آفاق جديدة لبلده في الشرق الأوسط ، ولهذا ففرنسا لن تستطيع أن تدخل بسياسة جديدة إلى الشرق الأوسط دون أن تطور من علاقتها مع الجزائر- الدولة التي احتلتها ما يزيد عن قرن من الزمان -  ولطمأنة الجزائر أكثر وإظهار حسن النوايا فقد سعى الرئيس الفرنسي وبذكاء للتصويت لدولة فلسطين الدولة 194 في الأمم المتحدة، لإدراكه مدى أهمية الملف الفلسطيني بالنسبة للجزائر وللشرق.
فرنسا الدولة الصناعية صاحبة الموارد الاقتصادية الوفيرة العضو في الاتحاد الأوروبي تشهد تباطؤاً اقتصادياً وان كان غير واضح المعالم، والفرنسيون ينظرون إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها الهادفة للتقويض من قوة  الاتحاد الأوروبي حتى لا يكون منافساً للدولة العظمى   " أمريكيا " اقتصادياً وسياسياً، وهذا ما يمكن استنتاجه من الأسباب الخفية وراء سقوط الرئيس السابق " نيكولاي ساركوزي " في سباق الرئاسة، وتقدم الرئيس هولاند عليه في الانتخابات الأخيرة  .    
في المحصلة كلا الطرفين معنيان بتعاون بين الجانبين، وتطوير ذلك التعاون بما يمهد لفتح عهداً جديداً في نمطية العلاقة لا ينعكس فقط على التبادل التجاري الموجود بين الجانبين أصلاً..!! وفي المحصلة تعاون بين الجانبين سيؤدي الى  الحد من التفرد الأمريكي في المنطقة وتقويض نفوذ الولايات المتحدة حتى لو كان بنسب ضئيلة  .              

CONVERSATION

0 comments: