
ولعل ما حدث اليوم في بيت حنينا من عملية قتل للشاب احمد الطويل وما استتبعها من عمليات حرق وتدمير للممتلكات،تستدعي من كل الغيورين على مصلحة الوطن والقدس من قوى ومؤسسات وعشائر وفعاليات ورجال دين وإصلاح وغيرهم،الجلوس والتفكير بشكل جدي،في كيفية لجم ومحاصرة مثل تلك الظواهر،ووضع حلول جذرية لها،بعيداً عن الديباجات والشعارات والحديث عن الصلح والكرم العربي الأصيل،وغير ذلك من عبارات النفاق والدجل والتي لا تصمد في أرض الواقع،فالمطلوب هنا حزم وقانون يسري على الجميع،بعيداً عن أية حلول تخلق ظلماً إجتماعياً أو شعور بالغبن عند هذا الطرف او ذاك.
وممارسة العنف في المجتمع الفلسطيني لا تقتصر على شكل واحد من أنواع العنف والسلوك العدواني،والذي نرى تجسيداته وتجلياته العملية من خلال جرائم القتل والتخريب والاقتتال والاحتراب العشائري والشللية في المدارس القائمة على العشائرية والجهوية والبلدية،بل ونرى ان هذا العنف يمتد ليطال النساء والأطفال،وفي هذا الجانب نسجل بأن البعض يرجع العنف الممارس بحق المرأة مرده إلى حالة الإحباط واليأس وتردي الأوضاع الاقتصادية والتي تضطر وتدفع بالرجل إلى ممارسة والقيام بسلوك عدواني تجاه زوجته او أخته أو ابنته،ولكن يضاف الى ذلك الثقافة الأبوية والتسلطية والقمعية السائدة في المجتمع وما يرافق ذلك من نظرة وتقاليد اجتماعية بالية ودونية للمرأة ككائن بشري،حتى أن البعض لا ينظر ويتعامل مع المرأة فقط على أساس أنها "فقاسة دجاج" ومكانها الوحيد هو المطبخ،بل وأبعد من ذلك كبضاعة وسلعة يستبدلها متى يشاء،أو رجس ونبتة شيطانية،فهو عندما يتحدث عن المرأة يقول "أجلكم وأعزكم الله"،والعنف بحق المرأة ليس قصراً على العنف اللفظي بل يمتد للجوانب الجسدية والاقتصادية والعاطفية،حيث يحرم الكثير من الأزواج زوجاتهم من التحكم في مرتبها او دخلها ،وفي الجانب العاطفي نشهد تزايداً في الاعتداءات الجنسية.
لن ينقذنا من هذا العنف الاحتلال وأجهزته الشرطية،فهو الذي يوفر كل المقومات لاستمرار العنف في مجتمعنا،هو وأدواته المأجورة من يوفرون السلاح المشبوه والسموم ويغذون قضايا الاحتراب والخلافات العشائرية والطائفية،فشرطة الاحتلال التي تحضر أو تستدعي لفض أي اشتباك أو احتراب اجتماعي عائلي أو عشائري،تنتظر حتى نهاية أو هدوء الاشتباك أو الاحتراب العائلي والعشائري ولسان حالها يقول "فخار يكسر بعضه" والكثير من الجرائم والاعتداءات تسجل ضد مجهول ولا تحل ألغازها،ولكن إذا ما تعلق الأمر بعمل مقاوم أو سلاح نظيف،فقوات الاحتلال وشرطته توصل الليل بالنهار من أجل معرفة من يقف خلف تلك الأعمال أو السلاح،وكذلك مشكلة العنف لا تحل بالندوات والمحاضرات وورش العمل واللقاءات المتلفزة وفنجان القهوة ونشر الصكوك العشائرية في الصحف والحديث عن التسامح والكرم العربي الأصيل مع التقدير لكل جهد أو نشاط يبذل في هذا الاتجاه،وعلاجه ليس مسؤولية القادة والزعماء وحدهم،بل هو مسؤولية جماعية تبدأ من رب الأسرة ولتنتهي بأعلى سلطة سياسية واجتماعية ودينية وتربوية،وجوهر الحل يكمن في التوعية والتثقيف من خلال المناهج التربوية والتعليمية،وسن تشريعات وقانونين رادعة في هذا الجانب،فالعنف بقصد أو دونه يصب في خانة الخدمة المباشرة للاحتلال،وهو تمرد وخروج عن كل قيم وأخلاقيات شعبنا الوطنية والاجتماعية والدينية وغيرها.
ونحن نفهم أن مجتمعنا الرازح تحت بساطير الاحتلال ينقصه الكثير من الأماكن أندية ومؤسسات ثقافية واجتماعية وفنية يفرغون فيها الكثير من طاقاتهم،ولكن هذه المؤسسات بالحد المتوفر منها تقع عليها مسؤولية كبيرة،في وضع ورسم خطط وبرامج تسهم في توعية الشباب وتثقيفهم،والاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم وتفريغها في مجالات تنتشل مجتمعنا من براثين الجهل والتخلف والعشائرية والقبلية والطائفية والانهيار....الخ.
والعنف دائماً وأبداً ليس سلاح الأقوياء،بل لغة الخائفين والعاجزين وهو ليس شرفاً ورجولة،واستمراره وتصاعده بوتائر عالية وغير مسبوقة في مجتمعنا الفلسطيني،أصبح يهدد وجودنا كأفراد وشعب،وهو رديف لسياسة فرق تسد والفوضى الخلاقة التي تمارسها قوى الاستعمار والاحتلال بحق شعبنا وأمتنا العربية،فلنعمل بشكل وجهد جماعي من أدنى درجات السلم حتى أعلاها لمحاربة واجتثاث هذه الظاهرة المدمرة.
0 comments:
إرسال تعليق