رسائل غزل بين موسكو وواشنطن تنتظر دوراً للمعارضة السورية/ محمد فاروق الإمام

قيل للفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) :يا أمير المؤمنين ألا تكسـو الكعبة بالحرير ..؟؟
فقال : بطون المسلمين أولى ..
قد يقول قائل ما علاقة قول عمر بموضوع سياسي بامتياز؟!!
ما دفعني للاستشهاد بقول عمر رضي الله عنه هو رجاحة العقل التي ميزته، وقد غلّب مصلحة العامة على زينة أحجار لا تملأ البطون الخاوية أو تطعم الأفواه الجائعة، وهذا دليل على أن عمر تفوق على ساسة اليوم الذين كل همهم المتاجرة بدماء الناس ونهش لحوم الموتى لتحقيق بعض المصالح الخاصة، وما أقصد بقولي المناكفة بين الولايات المتحدة وروسيا اللتان تختلفان حول تضارب المصالح بينهما على حساب ما يجري في سورية من دماء وما يسقط من ضحايا وما يدمر من بلدان، وكل منهما لا هم له إلا ليَّ ذراع الآخر بلا أي حسابات أخلاقية أو إنسانية لما يجري في سورية.
هناك ملفات عالقة كثيرة بين موسكو وواشنطن من أهمها نصب الولايات المتحدة أجهزة دفاع صاروخية متمثلة في عشرة صواريخ في بولندا وأجهزة رادار في التشيك، اعتبرتها روسيا مصدر قلق لأمنها واقتراب الخطر من حدودها، والأمر الثاني إصدار واشنطن القانون المسمى بـ" قانون ماغنيتسكي" احتفاء باسم سيرغي ماغنيتسكي، المحامي الذي توفي في السجون الروسية عام 2009. ويفرض القانون على السلطات الأمريكية رفض إعطاء تأشيرة دخول للولايات المتحدة لأي مواطن روسي متهم بانتهاك حقوق الإنسان، الذي اعتبرته موسكو أنه تدخل سافر في شؤونها الداخلية، وقد ردت موسكو على واشنطن بإصدار قانون مماثل يحظر منح الأمريكيين الذين يرتكبون انتهاكات حقوق الإنسان تأشيرة دخول إلى روسيا. كما يجيز القانون مصادرة ممتلكاتهم في روسيا. الأمر الثالث الملف النووي الإيراني الذي تجني من ورائه روسيا مغانم كثيرة مادية ولوجستية ومعنوية، وتريد من واشنطن أن تتفاوض معها بشأن وضع حد لهذه الملفات المختلف عليها بما يضمن مصلحة روسيا إذا ما تساهلت بالنسبة للملف السوري وخسرت قاعدتها العسكرية الوحيدة في شرق البحر المتوسط.
التصريحات الأخيرة التي أدلى بها رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيدف بإن فرص احتفاظ الرئيس السوري بشار الأسد بالسلطة "تتضاءل يوميا"، تشي بأن هناك بعض التبدل في الموقف الروسي، جاء على خلفية تبدل موازين القوى بين النظام والمعارضة السورية على الأرض، وقد ضيق الجيش السوري الحر الخناق على معاقل النظام واجتاح معظمها في كل المحافظات السورية بما فيها دمشق العاصمة، حتى بات القصر الجمهوري في مرمى نيرانه بعد أن حيّد مطار دمشق الدولي وأوقف حركة الطيران فيه، وتأكد للروس ذلك بعد أن اضطر نائب وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد للانتقال إلى بيروت للسفر إلى موسكو، واضطرت موسكو لترحيل رعاياها من سورية عن طريق مطار بيروت.
فقد أجرت قناة سي إن إن الأميركية مع مدفيدف مقابلة نوه فيها إلى أن "أيام الأسد قد تكون معدودة".
وأضاف "أن الأسد أخطأ بإرجاء الإصلاحات السياسية، وكان يجب أن يتم ذلك بصورة أسرع بكثير، مع جذب المعارضة المعتدلة إلى جانبه والتي كانت مستعدة للتفاوض معه". وأضاف "أن ذلك كان خطأ جسيما من جانبه، بل خطأ قاتلا".
هذه التصريحات الروسية الجديدة على ما يبدو قصد منها التمهيد للقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي أوباما والرئيس الروسي بوتين، والذي قابلته واشنطن بموقف مماثل عندما راحت تخفف من تصريحاتها السابقة التي كانت تؤكد فيها على أن على الأسد الرحيل، وبدأت تمارس فعلياً الضغط على حلفائها الأوروبيين لوقف الدعم للمعارضة السورية والحيلولة دون تسريب السلاح للجيش السوري الحر.
وتعد هذه التصريحات هي الأقوى من قبل مسؤول روسي بشأن الأزمة السورية، علما بأن مدفيدف -عندما كان رئيسا لروسيا- سبق أن حذر الأسد مما وصفه بمصير محزن ينتظره إذا لم ينفذ الإصلاحات ويصالح المعارضة، وذلك بعد نحو أربعة شهور من اندلاع الاحتجاجات في سوريا، كما صرح ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية في 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي بأن سقوط الأسد يبدو وشيكا.
هذا التبدل في الموقف الروسي هو رسائل للمعارضة السورية كما هي رسائل غزل لواشنطن والدول الأوروبية وأصدقاء الشعب السوري، وباعتقادي أنه على المعارضة السورية أن تتلقف هذه التصريحات وتبني عليها مواقف مطمئنة عن مستقبل العلاقات السورية ما بعد الأسد مع روسيا، تشجع موسكو على المضي في موقفها إلى أبعد من التصريحات، وليس هناك ما يعيبها إذا ما فعلت ذلك، ففي السياسة لا يوجد عدو دائم ولا صديق دائم، كما أنه على الدول العربية المؤيدة للثورة السورية أن تتلقف هذه الرسائل وتشد الرحال إلى موسكو لتشجيعها على المضي نحو إيجاد حل لوقف نزيف الدم من خلال التأكيد على المصالح التجارية بين روسيا والدول العربية التي تريد لها الديمومة والنمو.

CONVERSATION

0 comments: