الكافر/ أسعد البصري

يفتتح يوحنا الحبيب الإنجيلي إنجيله هكذا
((في البدء كانت الكلمة .
والكلمة كان لدى الله ،
والكلمة هو الله ...
به كان كل شيء
وبغيره لم يكن أي شيء .
هو الحياة لكل موجود ،
والحياة نور الناس ،
والنور يشرق في الظلمات
ولا تغشاه الظلمات ...
والكلمة صار بشراً
فسكن بيننا فرأيناه ))
يشعر المثقف بمسؤولية كبيرة
تجاه المستضعفين في الأرض والمقهورين
لهذا نزودهم بأكثر الخطابات حماسة و جسارة
حين نجد عندهم الجرأة على الثورة
مهما كان الخطاب حماسيا و مباشرا
إذا تمت صياغته من قبل المثقفين
فإنه سيحتفظ بإشكالية من الصعب دحضها
الآن تحرك الأنبار بخير
لهذا نعود إلى هذه المهنة الشاقة
مهنة الكتابة الفنية
هل بإمكاننا حقاً كتابة شيء يستحق البقاء ؟؟
في عصر كهذا ؟؟
يجب أن تكون مؤسسا لمذهب حتى تنال هذا الشرف
الأديب الكبير جمعة اللامي حملني هذا العنوان
(( أسعد الكافر )) المستوحى من رائعة جبران
(( خليل الكافر )) في كتابه الشهير الأرواح المتمردة
وهناك أيضاً خطاب ميخائيل نعيمة
في كتابه (( من وحي المسيح ))
التي عنوانها (( يسوع الكافر ))
كل إيمان حقيقي هو كفر حقيقي
خليل الراهب كافر بهرطقات الكنيسة الفاسدة
و يسوع كافر بهرطقات الفريسيين والكهنة اليهود
و محمد العظيم كافر بالوثنية التي شوهت تعاليم إبراهيم
قبل هؤلاء جميعا إبراهيم أبو الأنبياء هادم الأصنام
بعد هؤلاء جميعا الفيلسوف نيتشيه هادم الأصنام
لكن بيت إبراهيم امتلأ بالأصنام حتى ظهور النبي العربي
و فلسفة نيتشيه تحولت إلى نازية حتى ظهر مَن ينقذها
ثورة الحسين بن عليّ
تحولت إلى مرقد و سوق و سرقة للمال العام
و سيستاني واغتصاب في السجون
تحتاج الثقافة والتاريخ البشري
في نظر الأديب جمعة اللامي
إلى كتاب يثورون باستمرار
لقد كان نصر المسيح الأخير على نفسه
مرة حين اعتزل الناس أربعين يوما صائما صامتا
و مرة على الصليب والجلجثة
إننا حين نستمر بالكلام والكتابة ننسى رسالتنا
لهذا أنا بحاجة إلى صمت و ظلام صوم و كفر و إيمان
بحاجة لأن أسخر من نفسي كثيرا و أتلذذ بإذلالها
فمَن (( أنا )) لولا الله ...
(( أنا )) كلمة عظيمة لأنها تعني جميع الناس
وتعني أيضاً (الله)
والمسيح وموسى و محمد و عليّ بن أبي طالب
لن تلقى الله كل يوم
لكن الحقيقة أقول لكم
إن آخر شيء في الإنسان
أكثر الأشياء حقيقة و صدقا في وجدان البشر :
هو الله
لقد حدث أن انكسر ظهري من قبل
وقد رأيت الله في نخاعي الشوكي
في عيوني و في حبلي السري
مع هذا أرى بوضوح فشلي العميق ك كاتب
لأنني ما زلت أُصاب بالحماسة
وقد يحدث لي ما يحدث للهمج و المتوحشين
قد أُطلق الرصاص في الهواء أو ألوّح بسكين
قد أضرمُ النار في بيت جاري
إذا كانت زوجته جميلة
ماذا عندي أكتبه للمصريين القدماء
هذا الأسد الجالس بوجه الزمن والصحراء
يمثل الغرائز والطمع والجوع والقهر
يمثل وحشية الحياة و اندفاعها
لكن رأسه رأس إنسان
هذا الرأس عليه التحكم بهذا الجسد
والتحكم بغرائزه واندفاعه نحو الروح والعقل
هل رأيت عينيّ ( أبو الهول) الحالمتين ؟؟
هل رأيت الثور المجنح البابلي ؟.
الذي يحمل الفكرة ذاتها
حيث الأجنحة تنقذ الجسد الغريزي
وتحلق به إلى الحكمة والروح والحرية
إننا نبني لأنفسنا سجنا كل يوم
لأن الروح متحمس . وأما الجسد فضعيف
كما يقول المسيح
الجسد في الحقيقة يفرض حاجاته
وفي النهاية تستسلم الروح للجسد
هذه حكاية معظم الناس
هل بإمكاني اللحاق بهؤلاء القليلين النادرين
الذين لم يستسلموا لإرادة الخوف
والمرض والجسد والشيخوخة ؟؟
أصمت ... نعم الصمت يعلمني البلاغة

CONVERSATION

0 comments: