أوجاع سامي مهدي/ أسعد البصري

في عبقرية عُمر يكتب العقاد :
وجاءه يوماً بعض آل هرم بن سنان ممدوح زهير فقال عمر :
أما وإن زهيراً كان يقول فيكم فيحسن
فقيل له : كذلك كنا نعطيه فنجزل
فعاد عمر يقول : ذهب ما أعطيتموه و بقي ما أعطاكم
وطالما أُعجب عُمر بقول عبدة بن الطبيب :
والمرءُ ساعٍ لأمرٍ ليس يدركهُ
والعيشُ شحٌّ وإشفاقٌ و تأميلُ
يُطرق فيقول : على هذا بُنيتْ الدنيا
قال الأصمعي :
ما قطع عُمر أمراً إلا تمثل فيه ببيتٍ من الشعر
ويذهب العقاد إلى أبعد من هذا في شاعرية عُمر
حين يذكر في ص ٥٠٥ من كتاب العبقريات
أن عمر بن العاص قد كتب إليه في أمر هؤلاء المصريين
الذين اعتادوا التضحية بفتاة النيل
فكتب الفاروق إلى النيل كتاباً أمر أن يُلقى فيه :
(( من عبد الله عمر إلى نيل مصر
أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر
وإن كنت تجري من عند الله فنسأل الله أن يجريك .))
إن ما في هذه الرواية
من شعرية يفوق الأساطير والمعلقات
(( إنَّ المٌنْبَتَّ لا أَرْضاً قطع ، وَلا ظَهْراً أَبْقى ))
هذا ما كتبه سامي مهدي عندما قرأ هذا الكلام
في صحيح البخاري : أنَّ عُمَر قبلَ أيام من اغتياله
كان قد وقف على حذيفة بن اليمان و عثمان بن ميمون قائلاً :
أنظر أن تكونا حمَّلْتما الأرضَ ما لا تُطيق
ثُمَّ أردفَ عُمَر:
لئن سَلَّمني الله لأدَعَنَّ أراملَ أهل العراق
لا يَحْتَجْن إلى رجل بعدي أبداً
يعتقد سامي مهدي أنّ كلاً من صدام حسين
والخميني قد حمَّل الأرض ما لا تطيق ...
في كتابه (( تحرير الوسيلة)) يرى الخميني
أن العالم مجرد خيال وأنه لا وجود لغير الله . ..
بينما صدام حسين يرى أن النفوس تأنف اللحم والعظما .,,
وبين هذا وذاك يأنس علي بن أبي طالب
بالموت أكثر من الطفل بثدي أمِّه,,
لهذا استمرت حرب الخليج الأولى ثمان سنوات عجاف
كان محمد حسنين هيكل محقاً في وصفه للخميني
على أنه رصاصة هاربة من القرون الوسطى
استقرت في رأس القرن العشرين
لكن صدام حسين هو الآخر رمحٌ رُدينيٌّ هارب
من قبر مالك بن الريب ليستقرَّ في صدر الزمن العربيّ العجوز
فكَّر سامي مهدي أنَّ السكارى هم القومية العربية
لأنهم يفضلون جواري الوليد و نبيذ هارون
على كآبة الخلفاء الراشدين والأئمة
في طبقات إبن سعد قرأ سامي مهدي ما قاله عمر لأبي لؤلؤة :
أَلمْ أٌحَدَّثْ أنكَ تقول لو أشاء لَصَنَعْتُ رحىً تَطْحَنُ بآلرّيح. ؟
فكَّرَ أنَّ رحى أبي لؤلؤة تشبه رحى عمر بن كلثوم
وأنّ الصفويين نقلوا رحاهم إلى بغداد
فكانت حقاً تطحنُ بالريح لكن العراقيين
مسلمين ومسيحيين ، كانوا لها طحينا
شعر سامي بألم أسفل الجهة اليمنى من أضلاعه
تذكر ما قاله الطبيب :
ألكبد عضو هاديء جداً لكنك حين تشعر بوجوده
فهذا يعني أنك تفرط في الشراب
قرأ ما كتبه عنه زاهر الجيزاني مؤخراً
في جريدة الصباح التابعة للمالكي
وكيف أنه خلصه من تقرير يتهمه بشتم الرئيس صدام
تذكر سامي مهدي الجيزاني الحالم
كيف انتهى به المطاف في صحيفة السلطة
فاستدرك حكمة أبي حنيفة
في ضرورة أن تكون للفقيه والمثقف مهنة أخرى
غير الثقافة يعيش منها
إن الفقيه الجائع يجيبك من معدته
وبالنص يقول أبو حنيفة
لا تأخذ الرأي ممَّن ليس في بيته دقيق
يتابع سامي الصفحة الثقافية لجريدة الصباح
لأنه يحب ياسين طه حافظ ، لكن يزعجه المحرر الثقافي
أحمد عبد الحسين الذي يكتب كل يوم الشيء ذاته
قال لي أدونيس ، قلتُ لأدونيس
أخذتُ صورة مع أدونيس ، وهذا اليوم :
قلتُ بحضور أدونيس ......إلخ
سامي لا يكمل قراءة هذه المقالات
وكان قد سأل ابنته المتخصصة بالبرمجة
إذا بالإمكان برمجة كمبيوتره
بحيث لا يظهر مقالات عبد الحسين
فضحكت وقفزت خارج البيت
مرة كتب المرحوم محمد الماغوط نقداً لاذعاً
ل محمد حسنين هيكل قائلاً أن كل مقالاته
تبدأ ب همس في أذني عبد الناصر
وقال لي عبد الناصر و سألتُ عبد الناصر و وشوشني عبد الناصر
تساءل سامي المتعب هذه الأيام :
ماذا سيقول الماغوط يا ترى عن هذا الوثني بأدونيس ؟
يفتح سامي مهدي التلفزيون على قناة العراقية
لكن مؤخرة المعلّق الرياضي حسين بديع
ظلت ملتصقة بالشاشة
يرقص ويدفع مؤخرته أمام الكاميرا على الهواء
على أية حال هذا أكثر وقاراً من وجوه السياسيين هذه الأيام
تذكرَ سامي صديقه القومي ( ماربينا ) الذي تبرع له بمكتبته
قبل أن يترك الحزب ويلتحق بالكنيسة
لم يسأله عن السبب
لكنه قرأ هامشاً بخط اليد على كتاب العصا للجاحظ
وتحسبهم أيقاظاً وهم رقودٌ
بعد جريمة كنيسة سيدة النجاة
مزق ماربينا ثيابه كما فعل يوحنا المعمدان
وضاع في أزقة بغداد حتى انقطعت أخباره
تلك الليلة نام سامي مهدي دون مهدئات
لأنه شعر أن بغداد ستعود
ما دام هناك مدمنون على العَرق
في الصباح اتصل به الشاعر حميد سعيد
وسأله عن المدينة اليتيمة الممزقة الثياب بغداد
عندها ردد سامي مقولة عائشة بنت أبي بكر الشهيرة :
(( إن الأمر لا يستقيم
ولهذه الغوغاء أمر ))

CONVERSATION

0 comments: