هل فشلت ديمقراطية الربيع العربي؟/ ابراهيم الشيخ

لا شك ان عملية الانتقال من الديكتاتورية الى مرحلة بناء الديمقراطية، وبغض النظر عن المجتمع التي تحصل فيه هذه العملية لن تكون سهلة، ولكن نتائج هذا الانتقال مختلفة، وهذا يعتمد على وعي المجتمعات والاحزاب وجاهزيتها لممارسة الديمقراطية.
ان عملية التحول التي حصلت في اوروبا الشرقية، والانتقال من التوتاليتارية التي استمرت وحكمت هذه الدول لعدة عقود قد نجحت بسبب وعي هذه الشعوب ومقدرتها على تخطي العقبات التي واجهتها، وعدم انزلاقها الى الفوضى او الاقتتال والتنافس على السلطة الا ضمن صناديق الاقتراع، ولكن ما يجري في دول ما يسمى بالربيع العربي فان الوضع يختلف تماما، وان هذه الثورات قد ادت الى الفوضى، ليس بسبب عدم جاهزية شعوب هذه الدول لتقبل لعبة الديمقراطية ونتائجها فقط، وانما ايضا بسبب الاحزاب والقوى التي وصلت الى السلطة ومحاولة فرض رؤيتها على المجتمعات.
ومما لا شك فيه ان الهدف الرئيسي من تفجير ثورات ما يسمى بالربيع العربي، والتي بدأت عفوية، والتي اطاحت بالدكتاتوريات الحاكمة، هو اقامة انظمة ديمقراطية على انقاض الانظمة الاستبدادية، وتحقيق العدل والمساواة ومحاربة الفساد  بكل اشكاله، ولكن بعد تغيير مسار هذه الثورات وركوبها من بعض القوى الداخلية والخارجية، فقدت هذه الثورات زخمها وتم تغيير اهدافها.
من اهم نتائج هذه الثورات هو وصول احزاب الاسلام السياسي الى السلطة التي خلقت حالة من عدم الرضى من قِبل القوى المعارضة في مصر وتونس، وبلى شك ان القوى التي لم يسفعها الحظ بالوصول الى السلطة في البداية تقبلت اللعبة الديمقراطية على امل إفساح المجال لبناء نظام ديمقراطي يتميز بالتعددية السياسية وتداول السلطة.
 ولكن الامور سارت على عكس ما توقعته الناس من الثورات من حيث الشفافية والسماح بالحرية الفكرية، ولكن بالعكس ان الذي يحصل هو قمع الحريات الشخصية وحتى وصلت الامور الى حد الاغتيال السياسي كم حصل في تونس مؤخرا من خلال اغتيال السياسي والمحامي شكري بلعيد.
ان الديمقراطيات الوليدة في دول ما يسمى بالربيع العربي هي مجرد ارهاصات للديمقراطية الحقيقية، والتي من الممكن تحقيقها بعد زمن طويل،لأن الاحزاب التي وصلت الى السلطة ليست مهيأة الى ممارسة ديمقراطية حقيقية لنقص الخبرة في الحكم، وعدم السماح للمعارضات من تنظيم نفسها، والوصول الى السلطة في اي انتخابات قادمة.
من الصعب التكهن في اي اتجاه تسير هذه البلدان، فالاوضاع الان غير مطَمئنة من خلال اعمال الفوضى وعدم الاستقرار، وانتشار المجموعات المسلحة في بعض الدول كليبيا حيث ان الدولة ما زالت غير قادرة على السيطرة على هذه الجماعات،  فاما ان تتغلب هذه البلدان على مشاكلها وتمضي الى الامام نحو بناء الديمقراطية الحقيقية، وإما ان تستمر الفوضى، ويجري اسقاط الانظمة التي وصلت الى السلطة،  من خلال ثورات جديدة تهدف الى تغيير الوضع القائم، وهذا كله محفوف بالمخاطر، ومن الممكن انزلاق هذه الدول الى الاقتتال الداخلي.
بالرغم من ان هذه التجربة الديمقراطية ليست طويلة بما فيه الكفاية، ومن الصعب الحكم على نجاحها او فشلها، والتي اتت باحزاب وقوى جديدة الى الحكم، وخاصة حزب الاخوان المسلمين في كل من مصر وتونس، وهذا الحزب خاض صراعا طويلا من اجل الوصول الى السلطة، ولكن تجربته في الحكم لن تكون سهلة بسبب نقص التجربة، والخطأ الذي يرتكبه بأنه لا يقدر على تحييد افكاره وايدولوجيته كحزب قبل وصوله الى السلطة، ومحاولة تطبيق هذه الافكار وفرضها على الناس عندما وصل الى سدة الحكم.
ان الايمان بالايدولوجيات خارج نطاق الحكم ومحاولة فرضها اثناء الوصول الى الحكم يشكل عائقا امام ممارسة السلطة، هذا الوضع قد يؤدي الى خلق معارضة قوية بسبب مزج الدين بالسياسة.
هنا الدين لا يقف عائقا امام ممارسة الديمقراطية، ويظهر جليا ان الاسلام ليس مخالفا للديمقراطية، وأكبر دليل على ذلك أن الاحزاب الدينية تخوض معركة الانتخابات من اجل الفوز بالسلطة وممارستها، ولكن العائق والمشكلة هي بالذين يطبقون هذه الديمقراطية، وعلى اي اسس يريدون تطبيقها.

CONVERSATION

0 comments: