قوانين الانتخاب والغبار السياسي/ عباس علي مراد


تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ  [الحشر: 14 ]
يتبارى زعماء القبائل والمجموعات اللبنانية في تقديم مشاريع انتخابية ، يحرص كل فريق على ان مشروعه يؤمن اختيار المواطنين ممثليهم الحقيقيين في البرلمان ،هذا في الشكل والظاهر ولكن الباطن والمخفي نجد كل فريق وكل زعيم داخل الفرق المختلفة يسعى الى وضع واعتماد القانون الذي يلبي مصالحه السياسية وتكريسه الزعيم الاوحد داخل قبيلته الطائفية والمذهبية. والمضحك ان الكل يمارس التقية الوطنية والحرص على الوحدة الوطنية والعيش المشترك في تبادل فاضح للنفاق الذي يشترك فيه معظم الفرقاء، ومن اجل ذلك بادروا الى تشكليل لجنة نيابية مصغرة لدراسة القوانين المقدمة في حركة تمويهية من اجل اثارة الغبار السياسي حتى تنجلي الظروف الاقليمية والدولية التي تؤثر على مسار الحدث اللبناني سواء كان الأمني او السياسي...
وخير دليل على ذلك ان اللجنة صوتت بالاكثرية على مشروع القانون الارثوذكسي على امل ان يُحال الى الهيئة العامة للمجلس لإقراره ،وفي حركة التفافية على ذلك القرار تم التجديد للجنة لمدة اسبوعين،قدم الاقتراح النائب جورج عدوان ممثل القوات في اللجنة وايده الرئيس بري وقد أقرَّ الاقتراح!
هذا الربط بين الحدث الاقليمي والتأثيرات الخارجية ومسار الامور في لبنان ما قاله النائب سليمان فرنجية صراحة في احدى تصريحاته عن انتظار الفرقاء للبنانيين جلاء غبار الأزمة السورية ومراهنة كل فريق على ان ينتصر حلفاءه في سوريا ليبنى على الشيء مقتضاه.
في التاريخ اللبناني المعاصر جداً هناك مثالين على دور وتأثير القوى الاقليمية والدولية حتى على النواب المنتخبين وليس على القوانين فقط:
اولاً: اتفاق 17 أيار 1983 الذي توصل اليه الحكم اللبناني برئاسة الرئيس امين الجميل انذاك مع اسرائيل بعد اجتياح عام 1982 والذي اقره مجلس النواب يومذاك بأكثرية اعضائه ليعود نفس المجلس والحكم ولينقلب على قراره الاول بعد تغيير المعادلة الاقليمية والدولية وانطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبناينة ويلغي الاتفاق .
ثانياً: التحول في الاكثرية النيابية الذي ادى الى سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري في اوائل العام 2011 وتشكيل الرئيس ميقاتي الحكومة الحالية.
 بعد تمديد عمل اللجنة بدأت من جديد ظاهرة تفريخ مشاريع القوانين واحالتها على اللجنة لدراستها.
لو سلمنا جدلاً ان معظم القوى السياسية الطائفية، المذهبية، القبلية والعائلية...اللبنانية جادة فعلاً وليس قولاً وعجزاً وانانية ولها القول الفصل والقرار النهائي كما يحاولون ايهام الناس عن تحقيق الحد الادنى على المستوى الوطني، لماذا تغيب عن مشاريع قوانينها الصيغ التمثيلية الحقيقية ولماذا لم يلحظ اي مشروع قانون تخفيض سن الناخب الى 18 عام ولماذا تغيب الكوته النسائية عن كل المشاريع فإذا كان المطلوب صحة التمثيل الا تشكل هاتان الفئتان اكثر من نصف الشعب اللبناني؟!! ولماذا لا يُعمل على تفعيل اتفاق الطائف وتنفيذه حتى يكون مدخلاً الى تعديل دستوري يعطي المواطن حقه في المواطنة ليس على اساس المناصفة والمثالثة او المحاصصة خصوصا بعد غياب ما كان يسمى الوصاية السورية التي اصبحت الشماعة التي يعلق عيلها عدم تنفيذ الاتفاق خصوصا من الذين كانوا الاكثر استفادة من الوجود السوري قبل الانقلاب عليه، اوليس المطلوب اولاً واخيراً علاج هذا المرض الذي سبب ولا يزال معاناة اللبنانيين في التقاتل والتدمير والتهجير داخل الوطن وخارجه؟!.
قد يتساءل البعض عن عدم ذكرنا لمسألة إنتخاب المغتربين، لأنه والحق يقال إن المغتربين ينالون حصة الأسد من التمثيل والممثلين داخل الندوة البرلمانية اللبنانية والحكومة  حيث ان العديد من النواب  والوزراء يحملون جنسيات اخرى الى جانب جنسياتهم اللبنانية. اما ما يثيره الطائفيون والمذهبيون والقبليون والعائليون عن حق اقتراع المغتربين فهي جزء من الحرب على الاستحواذ على المزيد من الحصص من جبنة الحكم سواء كان على حساب لبنان المقيم والمغترب.
والآن حتى تتحقق المعجزة ،سوف يبقى غبار شعار الحرية والسيادة والاستقلال السياسي يتطاير في سماء لبنان الطائفية والمذهبية ، وسيبقى الانحدار بتجاوز الطائف وما قبله وما بعده والعودة الى نظام المتصرفية والقائمقامية وان على اساس حدود الطوائف والمذاهب الأنتخابية لتعذر رسم حدود جغرافية،وما استهداف المؤسسات الوطنية الجامعة وخصوصاً الجيش الا احد الادلة!
 كذلك  سيبقى النائب روبير غانم سعيداً بتلاوة قرارات لجنته الخاصة المصغرة حتى لا يصبح عاطلاً عن العمل.
عباس علي مراد
سدني
Email:abbasmorad@hotmail.com

CONVERSATION

0 comments: